لست أول عاقل ولا آخر مجنون!

TT

عندما رأيت هذه الفتاة انكسفت منها.. وانكسفت من صديقتها التي تكبرها. وانكسفت من صديقي الذي كان معي بصورة صارخة.. ورغم هذا كله مددت لها يدي، ومددتها أيضا لوالدها.. الذي هو أكبر مني ببضع سنوات. والرجل طيب ومتدين.. وهو يعرف أن الله قد هداني وأنني أعود إلى بيتي في ساعة مبكرة، وأنني أقرأ القرآن الكريم.. وأنني في الأيام الأخيرة كثير البكاء أو أكاد أصل إلى البكاء.. وأنني كثيرا ما أشكر الله الذي أعطاني القدرة على أن أدخل السعادة على الناس الذين أحبهم، وأنني يجب أن أتحول من عصفور بلا عش إلى طائر له عش.. وهذا الصديق رغم أن ابنته صغيرة وحلوة وشابة ولا تزال على وش الربيع وأنا على وش الخريف أو التخريف، فإنه سألني: تاب الله عليك؟ قلت: إيه رأيك؟ قال: أنا أرى هذا وأنا كنت على يقين أن هذه نهايتك!

- تسميها نهاية تماما كالموت.

- إذا كانت كلمة النهاية لا تعجبك.. إذن ليكن اسمها بداية!

- أنا لا أتضايق من تسميتها نهاية.. أبدا.. إنني أسأل هل هي نهاية فعلا لحياة لا أعرف لها معنى واضحا. وهل هي بداية لحياة لا أعرف لها معنى أيضا! لم يكن عندي وقت لأفكر في نفسي.. وليست عندي رغبة في أن أفكر فيها.. إنني أعيش خارجيا.. إنني أمد مشاعري إلى الخارج.. وأكبش من هموم الناس.. وأعود إلى نفسي وتتقلب معي متاعب الناس الذين أعرفهم والذين أقرأ عنهم وأتبنى قصص الناس وأربي أحزان الناس وأنفق عليها وأعيش منها.. وأعيش لها.. ولا أعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك.

- اطمئن! إن ابنتي قادرة على أن تقلب لك حياتك إلى جنة ونار.

- أعوذ بالله..

- ستجعل النار وراءك.. والجنة أمامك.

- ولكني كبير.

- إنها الموضة.

- اعرف إن الموضة أن تتزوج الفتاة رجلا أكبر.. وبعد ذلك!

- وبعد ذلك تتزوج!

- تتزوجه هو.

- تقصد أنها تستمر في الزواج منه.

- طبعا الزواج مجهود متواصل.. إن أحدا لا يتزوج أحدا مدى الحياة.. إن وثيقة الزواج عقد تجدده المتاعب والمشكلات.. والخلاف والوفاق والصلح والخصام والأولاد. وكلام آخر دار بيني وبين والدها.. ولأسباب غير واضحة أيضا هرشت شعر رأسي. وعلى فكرة كان في رأسي شعر كثير ولكنه الآن سقط.. وليس لسقوط الشعر أي علاقة بتقدمي في السن.. وأنا عندما قابلت أحد أصدقائي من الأطباء وسألته عن سر هذا الضعف قال لي: اسمع أنت تعرف أكثر من غيرك.

- يعني مفيش داعي للزواج.. لا يمكن إن شاء الله.. كده أربع سنين وقال لي الدكتور: إذن لازم تغير رأيك!!

- تقصد أنه لا داعي لأن أتزوج! أنت مجنون!

- فأجاب: أقصد أنصحك أن تتزوج سيدة في سنك أو أكبر منك قليلا.. لست أول عاقل ولا آخر مجنون!