من الذي يستطيع أن يعلق الجرس؟!

TT

تخيلوا مجرد تخيل لو أن هناك امرأة عالمة أرادت أن تضع لها كرسيا في أحد المساجد لتدرس الناس علنا وتفقههم في علوم دينهم ودنياهم، ماذا يحدث لها من (بلاوي)؟!

الذي دعاني إلى هذا التفكير (شبه المنحرف) هو الصداع الذي أخذ يضرب على (نافوخي) بعد أن تعبت من قراءات بعض الكتب القديمة التي تذكر فضل بعض النساء على الكثير من الرجال في مراحل متعددة من التاريخ، ولا أريد أن أسرد كل ما قرأته، لأنني لا أستطيع ذلك، إما لكثرته أو لبعض المحاذير.

ولكنني أقتطع لكم بعض الفقرات، وعليكم أنتم أن تجيزوها إذا أردتم، أو أن تستسخفوني إذا شئتم، ولكم كذلك كامل الحق أن تقولوا لي متعجبين: هل هذا هو وقته؟! امش (جنب الحيط أحسنلك وخليك من الحكي الفاضي)، ولكن ومع ذلك سوف أحكي وأمري لله.

قال (عروة بن الزبير): ما رأيت أحدا أعلم بالقرآن ولا بفريضة، ولا بحلال، ولا بحرام، ولا بفقه، ولا بطب، ولا بشعر، ولا بحديث العرب، ولا بنسب من عائشة رضي الله عنها.

وقال (أبو رافع الصائغ) في (التمهيد) كنت إذا ذكرت امرأة فقيهة بالمدينة ذكرت (زينب بنت أبي سلمة) و(عائشة بنت يوسف الباعونية) نالت من العلوم حظا وافرا، وأجيزت بالإفتاء والتدريس، وألفت كتبا عدة منها (الفتح الحنفي).

وأورد (تقي الدين الفاسي) في كتابه (العقد الثمين) تراجم لأكثر من (250) امرأة من المكيات اللاتي أجيز لهن التحدث والإفتاء والتدريس، وأخذ القرآن الكريم عنهن، والحديث والفقه. وكانت النساء العالمات إذا جئن إلى المدينة المنورة يلقاهن طلاب العلم والعلماء ويستفيدون منهن. ويذكر العالم (ابن رشيد الفهري) في سرده لأحداث رحلته إلى المدينة أنه التقى بأم الخير (فاطمة بنت إبراهيم البطحائي) في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليها، وأعطته إجازة خطية بجميع مروياته.

ولا ننسى أن (ابن عساكر) وهو يعتبر حافظ الأمة كان من شيوخه وأساتذته بضع وثمانون من النساء. فهل سمع الناس في عصر من العصور، وأمة من الأمم، أن عالما واحدا تلقى علما واحدا عن بضع وثمانين امرأة؟

وأورد (ابن دهمان) أن هناك عالمات مسلمات كن يدرسن الرجال ومنهن (بنت المرتضى)، و(زينب المقدسية) التي كانت تدرس في جامع ابن أمية، وكان بين طلابها (ابن بطوطة). وقد وصف الذهبي أن الطلاب من الجنسين كانوا يتزاحمون عليها. وفي الجامع عينه كانت تدرس (أم الدرداء الصغرى) وكان لها حلقة يحضرها الخليفة أمير المؤمنين (عبد الملك بن مروان) وفي مسجد بغداد كانت هناك (الدينورية) وكان من طلبتها ابن الجوزي والتعاويذي. (ونفيسة بنت الحسن) كان لها حلقة في مصر، وكان يحضرها (الإمام الشافعي).

تصوروا (الإمام الشافعي) بجلالة قدره يستمع ويتعلم من امرأة (!!)، فهل هناك شيخ من مشايخ اليوم يقبل أن يتعلم من امرأة؟!

وبعد هذا (اللت والعجن) من قِبلي يحق لي أن أتساءل بمرارة: هل المرأة في وقتنا الحاضر تقدمت أم تأخرت؟!

أما سؤالي الأخير الذي لا أريد إجابة عليه هو: من الذي يستطيع أن يعلق الجرس في رقبة القط؟!

[email protected]