نظرية المؤامرة لدى بشار الأسد!

TT

وجه الرئيس بشار الأسد خطابا إلى القوات المسلحة نشر في مجلة «الجيش الشعبي» الأحد الموافق 31 يوليو (تموز) بمناسبة الذكرى الـ66 لبناء الجيش العربي السوري، قال فيه: «إذا كان قدر سوريا أن تكون في موقع القلب لهذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم فإن إرادة أبنائها تأبى إلا أن تكون قلب الأمة النابض بكل مقومات العزة والسيادة والكرامة والإباء.. وإننا على يقين تام بأن تمسكنا بثوابتنا الوطنية والقومية يزيد حقد الأعداء علينا.. لكننا في الوقت ذاته على ثقة مطلقة بأننا قادرون بوعي شعبنا وبوحدتنا الوطنية أن نسقط هذا الفصل الجديد من المؤامرة التي نسجت خيوطها بدقة وإحكام بهدف تفتيت سوريا تمهيدا لتفتيت المنطقة برمتها إلى دويلات متناحرة تتسابق لكسب رضا من عملوا على تفتيتها.. وقد فات أولئك أن لسوريا خصوصيتها الذاتية العصية على كل المؤامرات والمتآمرين».

وعندما قرأت كلمات بشار وجدت أن نظرية المؤامرة شكلت قاعدة وهيكل رسالته. بناء على اعتقاده وتفسيره الغريب، فإن سوريا تمثل قلب الإقليم الشرقي، ويرغب جميع الأعداء في الإطاحة بالنظام. وتبعا للنظرية التي يعتنقها بشار وحاشيته، فإن هناك علاقة تشابه بين بشار وسوريا، حيث تقع سوريا بقلب المنطقة، بينما يمثل بشار قلب سوريا. الله، سوريا، بشار وبس! وعليه، صدر تصريح للجيش وقوات الأمن بعمل أي شيء بمقدوره دعم بشار، بما في ذلك إلقاء جثث المتظاهرين في نهر العاصي.

على الجانب الآخر، تدعي وكالة أنباء «سانا» أن المعارضة تلقي جثث أفراد القوات العسكرية والأمنية في النهر.

في كل مرة زرت فيها حماه، اعتدت السير على امتداد النهر والنظر إلى النواعير، التي تعد رمزا للحياة. الآن، عندما أتذكر نهر العاصي، أجد أنه تحول إلى رمز لأجساد الشهداء. من ناحيتها، عمد أفراد قوات الأمن لإلقاء الجثث في النهر من فوق الجسر بينما يصيحون: «الله أكبر»! والواضح أن هذا هو الحل النهائي الذي خلصوا إليه: قتل الناس وقذفهم في النهر.

وتحمل المأساة بعدا آخر، فبينما يعتقد الفريق بشار، وهو لقب كثر استخدامه خلال هذه الأيام الحرجة في سوريا، أنه قلب سوريا، يرى الدكتور الشيخ رمضان البوطي أن نظام بشار يكافئ الإسلام!

ويشبه هذا ادعاء رمسيس الثاني:

«وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ» (غافر: 26).

بعد أكثر من 3000 عام بعد موسى وفرعون، رمسيس الثاني، يستخدم الدكتور البوطي نفس الكلمات في وصف الحكومة وعلاقتها بالدين. في كتابه «أبا العلاء.. ضجر الركب من عناء الطريق» يقول عبد العزيز التويجري لأبو العلاء المعري: «اليوم هو اليوم الذي إذا قبض فيه الإنسان على دينه فهو قابض على جمر» (ص 10).

ويعد خطاب البوطي نموذجا ملائما للغاية، فهو يبرر قتل الناس وتدمير منازلهم وإلقاء القبض على أطفالهم وتعذيبهم، مثلما حدث مع حمزة الخطيب، بل والأسوأ من ذلك كله ادعاؤه أن نظام سوريا هو أيقونة الإسلام. وقال الدكتور البوطي: «بعد أن حاورت بعض هؤلاء الذين يطالبون بإسقاط النظام.. أنتم لا تطالبون بإسقاط النظام إنما بإسقاط الإسلام، وإن ما تفعلونه ليس إلا تحقيقا لأمر صدر من الخارج ومن (برنار ليفي) الصهيوني».

هذا أمر واضح للغاية دكتور البوطي! إن النظام الإسرائيلي لم يتبع هذا النهج تجاه الشعب الإسرائيلي من قبل قط، فهو لم يقتل يهوديا واحدا، وإنما يقتل الفلسطينيين، ولا يدمر منازل اليهود، وإنما منازل الفلسطينيين. إن الجيش الإسرائيلي يقتل الفلسطينيين ويدمر منازلهم، لكنه لا يفعل ذلك مع اليهود. في المقابل، نجد أن جيش بشار وقواته الأمنية تقتل السوريين. وكان فرعون يستغل السحرة في تبرير جرائمه ضد بني إسرائيل. اليوم، يلعب البوطي دور الساحر بالنسبة إلى بشار.

في أغلب الوقت نسأل أنفسنا لماذا لا يبدي الجيل الجديد أدنى اهتمام برجال الدين التابعين للحكومة، وهذا سبب واضح، فإن الدكتور علي جمعة في مصر والدكتور البوطي في سوريا تتمثل مهمتهما الرئيسية في تبرير جرائم حكومتيهما ضد الإنسانية.

ومن قبل، كان فرعون يعتقد أنه قلب أو العماد الرئيسي للدين. ومثلما شرح الطبطبائي في كتابه «الميزان في تفسير القرآن»، فإنه: «وقوله: (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) تعليل لما عزم عليه من القتل وقد ذكر أنه يخافه عليهم من جهة دينهم ومن جهة دنياهم، أما من جهة دينهم - وهو عبادة الأصنام - فأن يبدله ويضع موضعه عبادة الله وحده، وأما من جهة دنياهم فكأن يعظم أمره ويتقوى جانبه ويكثر متبعوه فيتظاهرون بالتمرد والمخالفة فيؤول الأمر إلى المشاجرة والقتال وانسلاب الأمن».

وينتقد الدكتور البوطي المتظاهرين لأنهم لم يصلوا! في المقابل، ردت عليه المعارضة السورية بنشر مقطع مصور عبر «يوتيوب» يظهر فيه بشار ووزراؤه وهم يصلون وقد بدا على بعضهم عدم معرفته بكيفية أداء الصلاة! والجميع يعلم أن المساجد تشكل النقاط الرئيسية لاندلاع المظاهرات ضد بشار، وتعد صلاة الجمعة السلاح الأقوى.

في خطاب ألقاه بجامعة دمشق في ندوة حوارية حول: «الإصلاح.. رؤية سياسية دينية قانونية»، استشهد البوطي بحديث منسوب للرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال رسول الله صلوات الله عليه: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع».

من الواضح للغاية أن هذا الحديث يتعارض كلية مع الكثير من الآيات القرآنية، بل في الواقع إنه يتعارض مع جوهر القرآن. والمذهل أن الشوكاني في «نيل الأوطار» عندما يشرح هذا الحديث، يبدي إدراكه بأن الحديث متناقض تماما مع القرآن، ويقول: «فيكون هذا (الحديث) مخصصا لعموم قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم). وقوله: (جزاء سيئة سيئة مثلها)».

ومن الواضح أيضا أن معيار حكمنا الرئيسي هو القرآن، وليس الحديث، والعدل هو معيار حكمنا، وليس الظلم. وينبغي أن تكون جميع الأحاديث متوافقة مع القرآن، أو على الأقل لا تتعارض معه.

أعتقد أن مبارك بعث هذه الأيام برسالة قوية للغاية لبشار والقذافي وشيوخ الإفتاء الحكوميين. إن الرسالة قوية وواضحة ومفادها: مبارك ليس قلب مصر، ولا أيقونة الإسلام!