أفغانستان تضحك على نفسها

TT

بمقدورنا جميعا استخدام قصة لطيفة من أفغانستان، وفيما يلي سأشرح قصة مسلسل جديد يبدأ عرضه هذا الشهر على قناة «تولو تي في» في كابل. المسلسل عبارة عن قصة كوميدية تدعى «الوزارة» حول وزارة خيالية لجمع القمامة داخل دولة خيالية تدعى هيشلاند (أو بالإنجليزية «بلاد لا شيء»).

الوزير رجل أنيق أصلع الرأس ولص يترأس حفنة من المتسكعين واللصوص والبيروقراطيين ضيقي الأفق. ويزعم حارسه أنه يمنع تفجيريين انتحاريين، بينما نراه نائما متكئا على سلاحه «AK-47». وقدم سكرتيره قائمة تضم 190 مطلبا من وزراء آخرين، حيث طلب أحدهم 10 سيارات مدرعة لحمايته الشخصية، ويرغب آخر بالتصريح له في الاتجار بالمخدرات، ويطلب ثالث وظائف لشقيقه ولشقيق زوجته وأبناء عمومته.

مرحبا بكم في أفغانستان، وهي بلاد تعج بالفساد الحقيقي، لكن بها أيضا مؤسسات إعلامية قادرة على فضحه والضحك من الفوضى التي تجتاح البلاد.

لدى قراءة الأخبار الواردة من أفغانستان، من السهل الاعتقاد بأن أميركا أهدرت أموالا ضخمة على أفغانستان، في محاولة لمساعدة بلاد ستبقى بدائية إلى الأبد. وبعض هذا التشاؤم نابع عن حق، لكن النظر إلى «تولو تي في» يذكرني بأن أفغانستان تتحرك بالفعل نحو الحداثة بسرعة وأن صحافييها ومخرجيها أصحاب العقليات الإصلاحية من أذكى وأشجع من قابلت بحياتي.

ولا بد أن قراء هذا العمود على معرفة بـ«تولو تي في»، حيث سبق أن كتبت عنها في ديسمبر (كانون الأول) 2008، عندما كانت شبكة تروج لنسخة خاصة بها من برنامج «نجم أفغانستان». وجرى تصميم هذا البرنامج على غرار برنامج «أميركان آيدول» (معشوق أميركا) الذي يجري محاولات بحث بشتى أرجاء البلاد حول المواهب. الاختلاف بين البرنامجين أن الأول كان في أفغانستان، حيث 10 سنوات قبل ذلك حرّمت جماعة «طالبان» على الناس مجرد الغناء.

يبدأ «نجم أفغانستان» الآن موسمه الـ17. ورغم أن الفكرة لا تزال بدائية، فإن البرنامج يعرض منافسات غنائية بين أشخاص في قندهار، محل ميلاد «طالبان». وتعرض القائمون على البرنامج لتهديدات على امتداد السنوات السبع الماضية - وكذلك كان الحال مع المشروع الأوسع لبناء أفغانستان حديثة علمانية - لكن لا يزال تصوير البرنامج مستمرا، ولا يزال الناس يصدحون بالغناء.

ويقف وراء الحفاظ على استمرار شركة الإنتاج المسؤولة عن البرنامج سعد محسني، الرئيس التنفيذي لـ«موبي ميديا غروب»، المالكة لـ«تولو تي في»، وهو شاب طموح يتطلع للتحول إلى قطب إعلامي على غرار من يقطنون بيفرلي هيلز أو بوليوود. وقد عاد لوطنه بعد إسقاط «طالبان» عام 2001، ولا يزال نشاطه التجاري في توسع رغم حالة الفوضى بالبلاد. ويملك حاليا أربع شبكات ويعمل لديه 1000 موظف.

واصطحبني محسني في جولة بين استوديوهاته الـ17 المنتشرة عبر العديد من الفيلات والبيوت في قلب كابل، ويحيطها حراس مسلحون. وانتقلنا من استوديو يدعى «أوبرا» موجه للأسواق الناطقة بالفارسية إلى آخر يدعى «سيسم ستريت» موجه للأسواق الناطقة بالدارية، اللغة الوطنية الأفغانية. وأوضح المخرجون أن العثور على أصوات مناسبة لشخصيات سينمائية مثل غروفر وكوكي مونستر ليس بالأمر اليسير.

وتعكف «تولو تي في» حاليا على إنتاج مسلسل درامي جديد بعنوان «النسر أربعة» حول مغامرات فرقة مكافحة إرهاب أفغانية. ومثلما الحال مع الكثير من المواد التي تنتجها القناة، فإن هذا المسلسل مقتبس من مسلسلات غربية، وهو «24» في هذه الحالة. في الحلقة الأولى، نرى تفجيريا انتحاريا يرتدي سترة وتحاول الفرقة منعه، ويوجه قائد الفرقة حديثه إلى زملائه قائلا: «إننا نخدم المجتمع كي يتمكن الجميع من العيش في سلام». ورغم ابتذال النص، فإنه يعبر عن قيم شجاعة ويحظى بعدد كبير من المشاهدين.

وتعرض «تولو تي في» العديد من البرامج الإخبارية الجيدة تطرح أنباء بالغة الأهمية وتجري تحقيقات صحافية في بلاد قول الحقيقة فيها قد يكلفك حياتك. وعندما تحدثت إلى بعض المراسلين والمنتجين الشباب في كابل، تذكرت أكثر ما يثير الإعجاب في العمل الصحافي (وهو أمر لا يبدو واضحا دائما في أميركا).

أما برامجي المفضلة في «تولو تي في» فهي تلك التي تسخر من الحكومة. من بين البرامج الشهيرة واحد يدعى «جرس الإنذار» يقدمه حنيف هامغام، والذي يسعى لأن يصبح جون ستيوارت أفغانستان. وقد قدم رسوما كاريكاتيرية ساخرة لسياسيين أفغان، منها صورة لمرشح فاسد يصرخ بشعاره الخاص: «من نسرقه؟ الشعب! ماذا نسرق منه؟ المال!»

إن البلد القادر على الضحك من نفسه بعد الكابوس الذي عاشه طوال تاريخه الحديث لا يمكن الحكم عليه بأنه ضائع تماما. في المرة المقبلة التي تقرأون فيها عن شقاء هذا البلد تذكروا صوت كوكي مونستر باللغة الدارية.

*خدمة «واشنطن بوست»