من خدع الصحيفة اللندنية؟

TT

لا أدري كم هي المرات التي تعرضت صحيفة مثل «الإندبندنت» اللندنية لمثل هذه الضربة الموجعة، في القضية التي كسبها الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي. هذه المرة وقع في الفخ الصحافي الشهير روبرت فيسك، وهو نفسه من وصف البحرين بأنها «محتلة من قبل القوات السعودية الغازية»، رغم رصيده الكبير من الجوائز الدولية، غير أن السؤال الأبرز هنا: كيف غُرر بالصحيفة.. ومن خدعها؟

لا شك أن ما اعتمدت الصحيفة الرصينة عليه في تقريرها، مما زعمت أنها (وثيقة) واتضح لاحقا أنها مزورة، يرسل علامات استفهام كثيرة، بالطبع لايعفي الصحيفة القول في عريضة اعتذارها إنها قامت بذلك بـ«حسن نية»، حيث من المهم الكشف عن ما قيل، إنه دليل على قمع القوات السعودية للمواطنين، رغم انتشار المئات مثله من الخطابات المزورة في عالم الإنترنت.

المتتبع للتقارير الصحافية الأجنبية يلحظ معضلتين أساسيتين تواجهان كثير من الصحافيين الغربيين عند تناول أوضاع منطقتنا العربية، الأولى أنهم يكتبون تقارير ميدانية بالغة الحساسية، بينما هم يقبعون بعيدا عن موقع الحدث بآلاف الكيلومترات، أما المعضلة الثانية فهي اعتمادهم، كمصدر معلومة، على من يسمون أنفسهم بـ«الناشطين»، لكن هؤلاء لم يعرف عنهم أبدا أي مشاركة مجتمعية أو حقوقية ملموسة تتيح لهم الوصول إلى هذه الصفة، أو لديهم المعلومة التي يبحث عنها الصحافي، وعلى هذا الأساس، غرر بروبرت فيسك، كما غيره أيضا الذين يعتقدون أنهم وصلوا لسبق صحافي خطير، ليكتشفوا في النهاية أنهم تسببوا في سقطة لا تغتفر لوسائلهم الإعلامية.

أما كلمة الحق التي يراد بها باطل، وأعني ما يتداوله البعض من أن تغييب المعلومة يؤدي إلى أن تصل الأمور إلى ما بلغته، فلا نقول إلا: سبحان الله هذا بهتان عظيم! هل نشرع التزوير والغش والخداع، فقط لأن هذه الجهة أو تلك لم تستجب لمطالب الصحافي؟ نعم الجهات الرسمية يجب أن تشرع أبوابها لوسائل الإعلام، ولا تردهم خائبين، لكن الربط بين الأمرين يعود بنا لنقطة الصفر في تحديد عناصر المهنية الصحافية التي غابت هذه المرة عن الصحيفة الرصينة.

الأسبوع الماضي كتبت هنا عن «مدرسة المشاغبين السعودية»، وكنت أعني مجموعة ممن يعتبرون أنفسهم، زورا وبهتانا، ناشطين، بينما الحقيقة أن كل رأسمالهم شتائم وتعريض بالناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا «تويتر» و«فيس بوك»، هؤلاء هم من خدع روبرت فيسك في كثير من التقارير المشبوهة التي تكتب عن دول المنطقة، هم أنفسهم من يتواصل مع وسائل الإعلام الدولية بتقارير ووثائق مزورة ومفبركة، بل لننظر إلى التقارير التي تنشر في وكالات الأنباء العالمية، ونلحظ العشرات ممن تسميهم هذه الوسائل ناشطين، لكن لم يعرف لنا أحد كيف اكتسبوا هذه الصفة التنشيطية.

نعم، ربما بعضهم يمتلكون أدوات تمكنهم من رصد نبض الشارع، أما الغالبية منهم، فلا والله ما اكتسبوها إلا بكثير من الفهلوة والكذب والتزوير، حتى لو كان هذا على حساب أوطانهم، أو الحقيقة.

[email protected]