قرأت لكل هؤلاء!

TT

عندما حفظت القرآن الكريم كنت في السابعة من عمري.. وأنا لا أعرف معني كلمة واحدة مما أقول.. وانتقلت من القرآن الكريم إلى قصائد المتصوفين وإلى مدائح الرسول.. فحفظت «البردة» للبوصيري.. وأنا لم أسمع بشوقي أمير الشعراء.. ولا عرفت قصيدته «نهج البردة» إلا بعد عشرات السنين..

وقرأت مئات الروايات المترجمة في سلسلة «كتاب الجيب» ولم أقرأ رواية عربية واحدة.. ولا عرفت أن هناك روايات عربية..

عرفت تولستوي ودستويفسكي وبروست وشيلي وبيراندللو ودكنز وبلزاك.. قبل أن أعرف أسماء الأدباء المصريين.. وكنت في الثانية عشرة من عمري..

هل كنت أعي ما أقرؤه؟ لا أعرف.. ولكني أقرأ وأستمتع.. وأطلب المزيد.. ويجيء المزيد في صناديق وجوالات.. فقد كانت هذه الروايات رخيصة الثمن وتباع في كل مكان..

وعرفت الفيلسوف الألماني أوزفالد اشبنغلر فيلسوف الحضارة الغربية وقرأت ما كتبه أستاذنا عبد الرحمن بدوي عنه.. قبل أن أقرأ سطرا واحدا للمؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي..

وقرأت للمؤرخ الإنجليزي توينبي قبل أن أقرأ لأستاذنا المؤرخ شفيق غبريال.. وأستاذنا علي إبراهيم واستأذنا إبراهيم نصحي..

وعبد الرحمن بدوي، أستاذنا في الفلسفة، قد قدم لنا عشرات الأسماء في الفلسفة والأدب والفن والموسيقى.. وفي زحمة هذه الأسماء الباهرة ضاع هو، فلم نعرف أثره وقدره إلا بعد عشرات السنين..

وقرأت للأديبة الوجودية سيمون دي بوفوار قبل أن أقرأ سطرا واحد للآنسة مي زيادة أو حتى للخنساء..

وعندما قدمني الأستاذ إحسان عبد القدوس على أنني «فيلسوف المستقبل» وأديب الوجودية الشاب في سنة 1950 لم أكن أقرأ لاحسان عبد القدوس إلا ما كتبه في السياسة.. ولم أقرأ له رواياته إلا بعد ذلك بسنوات!

وعندما حفظت ديوان «أغاني الكوخ» للشاعر الرومانسي محمود حسن إسماعيل، لم أعرف مصطفى صادق الرافعي.. مع أنهما من مدرسة واحدة.. هذا رومانسي في الشعر.. وذلك رومانسي في النثر..

ولا أعرف إن كان الشاعر محمود حسن إسماعيل قد تأثر بما كتبه مصطفى صادق الرافعي في كتبه: «السحاب الأحمر»، و«أوراق الورد»، و«رسائل الأحزان»..

ولم أحفظ لمحمود حسن إسماعيل بيتا واحدا من دواوينه الأخرى.. وقد أذهلته مرة في لقاء أدبي عندما أسمعته معظم الديوان!