دمشق.. هل هناك من يسمع؟

TT

جاء بيان دول مجلس التعاون الخليجي في نهاية الأسبوع ليكسر حاجز الصمت من قبل تكتل إقليمي عربي تجاه الأوضاع في سوريا، بإعرابه عن القلق لأعمال القتل بحق المدنيين، لكنه رغم غضب دمشق منه غُلف بعبارات دبلوماسية. ثم جاء بيان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز كرسالة واضحة مباشرة للشعب والحكومة السورية بعبارات صريحة تعكس حالة نفاد الصبر من سياسة القمع هناك، لتؤكد أن ما يحدث لا تقبل به السعودية، وأن سقوط أعداد كبيرة أريقت دماؤهم ليس من الدين ولا القيم أو الأخلاق. وتبع ذلك إجراء عملي هو استدعاء السفير السعودي للتشاور، وهي خطوة سارت على خطاها الكويت والبحرين، ومتوقع أن تقوم دول عربية أخرى بإجراءات مماثلة مستقبلا.وهي خطوات قد تكون تقليدا جديدا في العلاقات العربية - العربية، التي اتسمت سابقا بالمجاملات والابتعاد عن الخطابات العلنية في القضايا الحساسة التي تتعلق بشؤون الأنظمة. لكن الصبر قد نفد، والعالم والمنطقة تغيرا، وبالتالي فإنه لم يعد ممكنا، ولم يعد مقبولا الهروب من المسؤولية بينما العالم يتابع وشعوب المنطقة تراقب وتتطلع. والخروج من الأزمة يحتاج إلى من يسمع في دمشق النصائح، وليس إلى من يسد أذنيه ويواصل في اليوم التالي الهجمات على دير الزور بعد حماه.

فأسبوع بعد آخر، كان المتظاهرون السوريون يحشدون قواهم ليخرجوا بأعداد أكبر كل يوم جمعة بخلاف المظاهرات اليومية في تحد للقمع الذي يواجهونه، ويتفننون في رفع الشعارات وإطلاق الهتافات وبينها تساؤلات عن أسباب صمت الدول العربية، وسكوت الجامعة العربية عن القتل الذي يتعرضون له ردا على مطالباتهم بالحرية والعدالة.

كان الصمت العربي مثار تساؤلات ليس فقط بين السوريين ولكن أيضا في شوارع العواصم العربية، فلم تكن هناك تصريحات ومواقف علنية سوى من دول غربية. وكانت المواقف العربية الرسمية مختلفة بين حالة عربية وأخرى، والمشاعر الشعبية ترى أن الشعب السوري يستحق اهتماما يتجاوز متطلبات الدبلوماسية العربية التقليدية والعلاقات الرسمية التي عرفناها عبر عقود.

لكن الصمت كان يخفي حالة قلق وتململ واضحة رسمية عما يحدث هناك، وعدم تصديق للروايات الرسمية التي تصدر لتفسير الهجمات التي أخذت طابعا وحشيا على مدن لم تفعل شيئا سوى الخروج في تظاهرات سلمية لها مطالب مشروعة. ولم يكن هناك من يستمع في دمشق لما يقال في الجلسات المغلقة أو الرسائل غير المباشرة والمواقف التي تأخذ طابعا دبلوماسيا، حتى وصل الأمر حدا لم يعد ممكنا فيه السكوت.

لم يصل أحد في مواقفه - لا عربيا ولا دوليا - إلى إغلاق الباب تماما مع الحكم في سوريا، فما زال الباب مواربا وهناك خيط أمل عكسه حديث العاهل السعودي عن الطريقين أمام القيادة السورية: الحكمة.. أو السقوط في الفوضى والضياع، ودعوته إلى قيام القيادة السورية بإصلاحات شاملة سريعة.

قد يكون المحتجون السوريون قد أغلقوا الباب بدعوتهم إلى إسقاط النظام وعدم ثقتهم في قدرته على المضي في طريق الإصلاح والاستجابة إلى تطلعات الشعب في الحرية. ولديهم الحق في ذلك، فهناك ألفا قتيل حتى الآن ومدن عريقة تحولت إلى وضع مدن تحت الاحتلال؛ الدبابات تجوبها، والرصاص يلعلع فيها، ويحتاج النظام هناك إلى جهد جبار لإقناعهم بأنه يستطيع الإصلاح، الذي يعني في هذه الحالة فترة انتقالية يقرر الناس فيها ماذا يريدون وشكل النظام المقبل الذي يرغبون فيه.

البداية هي وقف القتل والقمع فورا وسحب القوات العسكرية والفرق التابعة للنظام من المدن وإعادتها إلى ثكناتها والسماح بالتظاهرات بدون تدخل أمني، وتفكيك ميليشيات الشبيحة، وتقديم المسؤولين عنهم إلى محاكمات، هذه هي فقط البداية، أما المسار السياسي ومن يبقى ومن يرحل وكيف يكون شكل النظام، فهذه يحددها الشعب السوري. هذه هي الحكمة والمسؤولية، فهل هناك من يسمع في دمشق؟