العالم يريد إسقاط النظام

TT

ككرة الثلج التي تتدحرج من قمة جبل فيزداد حجمها وتزداد سرعتها قوة، هي كذلك ردود الفعل المتزايدة والمتصاعدة في وتيرتها تجاه الثورة السورية. وكان بيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي وصف بالتاريخي، والموجه لسوريا شعبا وحكومة، إضافة مهمة ومفصلية في هذا الطريق. فالسعودية أول دولة عربية إسلامية تأخذ موقفا واضحا ورافضا لما يحدث في سوريا من قتل وإبادة، وبينت بوضوح موقفها العروبي والإسلامي من الأحداث، وسحبت سفيرها من دمشق، وكانت مواقف أخرى مهمة ولافتة انطلقت من أماكن عدة حول العالم، جميعها تصب في صالح حماية الثورة السورية، ورفض النهج الهمجي الذي اتبعه نظام بشار الأسد بحق شعبه، والإبادة الموتورة التي تتم من مدينة إلى أخرى بشكل مسعور. فها هي تركيا مجددا توجه تحذيرا شديد اللهجة، وتفيد بأنها سترسل مندوبا عنها لدمشق بلهجة حازمة لا تقبل المساومة لكي توقف الحكومة السورية مجازرها بحق شعبها. وروسيا، أهم داعم دولي لنظام الأسد، تتنصل من دعمه وتحذره من مستقبل مأساوي ينتظره. والفاتيكان الذي نادرا ما يتدخل في مسائل سياسية، هاله مشاهد الموت والقتل، فأصدر تعليقا مقتضبا يؤكد على أهمية تلبية مطالب الثوار السلمية في سوريا. والاتحاد الأوروبي يزيد من عقوباته واستنكاره وشجبه، وكذلك الأمر في واشنطن العاصمة الأميركية، مع عدم إغفال التصاريح المستنكرة من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.

رحيل النظام يتحول بالتدريج إلى مطلب عالمي بامتياز، الكل حاول أن يتعامل مع نظام الأسد على أنه نظام طبيعي لديه القدرة على الإصلاح واحترام حقوق الإنسان وتلبية الحريات، إلا أنه كان يزداد قمعا ووحشية مع كل وعد بالإصلاح والتحسن. من المتوقع أن تصدر قرارات قوية جديدة تسحب فيها الدول سفراءها، وقد تعلق جامعة الدول العربية عضوية سوريا فيها، وكذلك منظمة التعاون الإسلامي، وأيضا ستطال العقوبات الاقتصادية مجالي النفط والغاز في سوريا لتخنق النظام أكثر حتى لا يستمر في صرفه على آلته العسكرية المجنونة التي تبيد شعبه.

انشقاقات الجيش مستمرة في سوريا، وهي تواجه بالقتل الفوري إذا ما تم التقاطهم قبل هروبهم، ولكن من هرب تمكن من الانضمام إلى أحد جيشين مستقلين تم تشكيلهما؛ الأول باسم «الضباط الأحرار» والثاني باسم «جيش سوريا الحر» وقوام الجيشين يقدر حتى هذه اللحظة بأكثر من أربعة آلاف جندي. تحرير سوريا من نظام الأسد مسألة وقت، فالجيش غير المستعد للمواجهات تم إجهاده بالقتال في المدن ليلا ونهارا ومن مدينة إلى أخرى، وهو يدك بالصواريخ، ويقذف بالمدافع على بيوت عزل، وهنا تحدث الصدمة فينشق الشرفاء، لأن ما يتم تجهيزهم به هو أنهم ذاهبون لمواجهة عصابات مندسة ومسلحة من الخارج، وطبعا يكتشفون غير ذلك. دمشق ستكون التحدي الأكبر لسقوط النظام، فالمدينة مليئة بالأقبية داخل الأحياء المهمة والمباني الاستراتيجية، وهذه الأقبية فيها عناصر من المخابرات تتحرك وقت «الطوارئ»، وكذلك دمشق محاطة بمناطق «عشوائية»، ولكنها عشوائية مدروسة، حيث تم اختيار نوعية الناس الذين يقطنونها، وتم تحصين مبانيهم المطلة على دمشق من الجبل بصواريخ وذخيرة لقصف المدينة، وهذه المعلومات صرح بها سابقا وعلنا رفعت الأسد في محاضرة له بجامعة دمشق حينما سئل ماذا ستفعل لو هوجمت دمشق، أو تعرض الرئيس حافظ الأسد لاعتداء؟ فأجاب: «سأجعل الناس تنسى أنه كان هناك مدينة تسمى دمشق!».

هذه هي عقلية النظام الحاكم لا جواب لديه سوى القتل، لأنه على قناعة بأن سوريا هي ملك مشاع لعائلة الأسد، ولم تأت التسمية: سوريا الأسد من فراغ، ولا من فرط محبة، بل من قناعة وتأليه للحاكم. ولكنه رمضان، وما أدراك ما رمضان! شهر الفتوحات والبركات والنفحات الربانية، الأحداث تتحرك بشكل أشبه بالخيال، والزلزال يدك في كافة قطاعات النظام، ولم يتبق على شكله الظاهري سوى أسابيع، النظام أنهى نفسه عندما أهان شعبه، ولم يعد الشعار الأقوى «الشعب يريد إسقاط النظام» وحده صالحا، ولكنه تحول إلى «العالم يريد إسقاط النظام».

[email protected]