فزاعة الإخوان تسيطر على ميدان التحرير

TT

بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم، علت الأصوات الساخرة تتهمه باستخدام فزاعة الإخوان المسلمين لترهيب الغرب والشعب، وإقناعهم بضرورة استمراره في الحكم. والآن بعد نحو ستة أشهر على نهاية حكم مبارك وسقوط الحزب الوطني، تبين أن فزاعة الإخوان لم تكن مجرد كذبة أطلقها الرئيس السابق، بل حقيقة مؤكدة تشهدها مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني).

ففي جمعة كان من المفروض أن تكون لتوحيد الصف‏ المصري في 29 يوليو (تموز) الماضي، تجمع مئات الآلاف من الإخوان والسلفيين، الذين جاءوا من الإسكندرية ومن باقي المحافظات للمشاركة في مليونية التحرير‏ بالقاهرة‏. وعلى الرغم من أن الاتفاق كان يقضي بأن تكون هذه الجمعة ممثلة لكل طوائف الشعب، ظهر منذ البداية غلبة التيارات الإسلامية التي قدر عددها بنحو مليونين. وسرعان ما حدث انقسام حاد بين القوى المدنية والشبابية وبين التيارات الدينية، بسبب الشعارات التي رفعها السلفيون والإخوان. فبدلا من الهتافات التي تعبر عن مطالب الثورة، جاءت هتافاتهم تعبر عن تيارات الإسلام السياسي ومهاجمة للآخرين: «إسلامية إسلامية، لا علمانية ولا ليبرالية»، «سامع سامع يا مشير.. إحنا جينالك في التحرير»، فيما انتشرت لافتات ضخمة ضد الدولة المدنية والمبادئ الدستورية.

وبينما تطالب غالبية شعب مصر بضرورة بناء نظام سياسي يهدف إلى رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء في ظل مجتمع مدني ديمقراطي يحمي الحرية ويسمح بالتعددية، ترفض جماعات الإسلام السياسي فكرة الدولة المدنية كما ترفض الاتفاق على مبادئ الدستور. ولما كان المجلس العسكري – تحت ضغط من شباب التحرير – قد أعلن عن ضرورة إعداد وثيقة مبادئ دستورية قبل إجراء الانتخابات البرلمانية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قرر الإخوان والسلفيون الخروج إلى ميدان التحرير لرفض هذا القرار. هذا هو ما قاله الدكتور محمد يسري إبراهيم، الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، أن الغرض الأساسي من هذه المليونية هو إعلان رفض ما يسمى بالمبادئ الحاكمة للدستور.

فقبل ثورة ميدان التحرير كانت هناك قوتان سياسيتان في مصر منظمتان سياسيا، هما الحزب الوطني والإخوان المسلمون، حيث لم تسمح قوانين الطوارئ للآخرين بتنظيم صفوفهم. والآن بينما يحاول شباب الثورة استبعاد الحزب الوطني تماما من الميدان – على الرغم من سقوط القيادات القديمة – أصبح الإخوان هم الحركة السياسية الوحيدة المنظمة في مصر. وبدلا من التحالف مع عشائر وعائلات المحافظات ورجال الأعمال، راحت الأحزاب الليبرالية تتحالف مع أحزاب الإخوان، مما زاد نفوذهم في الشارع. وعلى هذا فلو جرت انتخابات برلمانية الآن فسوف يتمكن الإخوان من الحصول على أغلبية تمكنهم من تكوين حكومة، بالتحالف مع السلفيين. لكن هذا الفوز لن يكون تعبيرا عن رغبة الجماهير في المشروع السياسي للجماعة، ولو تم إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية أولا فليس هناك احتمال أن ينجح مرشح الإخوان، وهذا ما أكدته جميع استطلاعات الرأي التي تمت حتى الآن.

والهدف الرئيسي لجماعات الإسلام السياسي هو إسقاط الحكومات القائمة في الدول الإسلامية بالقوة، وإنشاء خلافة إسلامية تتولى إقامة ما يعتقدون أنه الحكم الإلهي المقدس. فبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى قرر كمال أتاتورك - أول رئيس للجمهورية التركية - إلغاء الخلافة العثمانية في إسطنبول في 1924، وأقام الدولة المدنية الحالية في تركيا. وفي أيار (مايو) 1926 عقد مؤتمر في القاهرة للاتفاق على إعادة نظام الخلافة، إلا أن غالبية المندوبين الحاضرين - وكان عددهم 38 يمثلون 13 دولة إسلامية - لم يوافقوا على إحياء الخلافة، حيث كانت هذه الدول تحاول استعادة استقلالها القومي.

بعد ذلك قام حسن البنا في 1928 بتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بهدف العمل على بناء الخلافة الإسلامية من جديد، فكانت الجماعة هي أول تنظيم للإسلام السياسي في البلدان العربية. ولما فشل الإخوان في إقناع الجماهير بمشروعهم عن طريق العمل الديمقراطي، ظهر تطور درامي في المجال الفكري للجماعة منذ ستينات القرن الماضي، يرى أن الطريقة الوحيدة لبناء الدولة الإسلامية هو فرضها بالقوة. فقد كتب سيد قطب - الذي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين - كتابا ذهب فيه إلى أن حكومات الدول الإسلامية كلها ليست لديها شرعية في الحكم، ورأى أن الوسيلة الوحيدة لإصلاح هذا الخلل يتم عن طريق استخدام القوة للقضاء على السلطات الحاكمة، أي الجهاد. وتبنت الجماعات الإرهابية فكر السيد قطب بعد إعدامه في أغسطس (آب) 1966.

ما حدث في ميدان التحرير يوم 29 يوليو (تموز) الماضي سوف يؤدي بالضرورة إلى تغيير المسيرة الثورية في مصر مستقبلا. فقد أعلنت الحركات الثورية أنها تدرس مقاطعة وإيقاف الحوار والمفاوضات مع التيارات الدينية، كما قررت 33 حركة وتيارا سياسيا الانسحاب من الميدان، أبرزها ائتلاف شباب الثورة، والجبهة القومية للعدالة، وحركة 6 أبريل، وحزب الجبهة الديمقراطي، وحركة كفاية، وحزب المصريين الأحرار، والجمعية الوطنية للتغيير. كما تبين بوضوح الحجم الحقيقي للجماعات الإسلامية في الشارع المصري – فهم يمثلون مليونين فقط من مجموع 85 مليونا. فبسبب التنظيم شبه العسكري الذي يحكم هذه الجماعات، خرج جميع من وجهت إليهم الدعوة إلى ميدان التحرير، منظمين في أوتوبيسات خاصة أعدت لهذا الغرض. كما كشف الإخوان عن حقيقة نواياهم، مما جعل الحركات الليبرالية تفكر في تغيير تحالفاتها وتنظيم صفوفها. فالنظام السابق هو الذي أدى إلى خلق فزاعة الإخوان حيث اكتفي بالتعامل معهم أمنيا بدلا من مناقشتهم وإشراكهم في أمور البلاد، في الوقت الذي منعت فيه أحكامه العرفية القوى الليبرالية من التعبير عن آرائها بحرية أو تنظيم صفوفها في أحزاب سياسية.