سياراتنا.. مكتبات متنقلة!

TT

تؤكد الدراسات أننا نقضي في العام الواحد ما يقارب 1000 ساعة في السيارة، أي ما يعادل 42 يوما! وقد استمعت إلى دراسة علمية أخرى ذكرتها إحدى المحطات الإذاعية الأميركية تؤكد أن مجموع الساعات التي يقضيها الأميركيون في «الازدحام المروري» سنويا هو 72 ساعة، أي ما يعادل «ثلاثة أيام كاملة»! هذه المدة لم تتضمن الوقت المستغرق في قيادة السيارة طبعا! أيا كانت الساعات التي نقضيها داخل السيارة، يبقى التساؤل المهم: ماذا يمكن أن نفعل داخل السيارة؟

هناك عدد كبير من الموضوعات التي يمكن أن يتعلمها الإنسان أثناء قيادته السيارة؛ منها اللغات الأجنبية.. فالأسواق تمتلئ بأشرطة تعليم اللغات للمبتدئين، فكل ما هو مطلوب منا، ترديد الكلمات مع الشريط أثناء القيادة لنتعلم مجموعة من الكلمات والعبارات التي نستطيع أن نبني بها حوارا مع الآخر. ومن الأمثلة الشبيهة، البرنامج التعليمي الذي يبثه القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية BBC ويعد محطة يومية لتعلم اللغة الإنجليزية بطريقة شائقة ومبسطة.

ويمكننا أيضا معرفة معلومات مهمة عن سير الأعلام وتاريخ الأمم السابقة وتنمية الجانب الروحاني ونحن في السيارة! فهناك ألبومات سمعية متنوعة تحكي قصص الديانات السماوية، وتاريخ الأندلس، وقصص العرب.. وغيرها، بأسلوب سلس ومريح. وأنا شخصيا استمعت إلى ألبوم السنة النبوية، الموسع، وأنا جالس في سيارتي! هناك أيضا أشرطة تتحدث عن سير شخصيات عربية خالدة كالعلماء والأدباء والأطباء وغيرهم. وأذكر أن إحدى القائدات أخبرتني أنها حفظت نصف القرآن في السيارة من خلال الاستماع اليومي للآيات. وحتى هواة الشعر سيجدون ضالتهم في المكتبات التي تزخر بألبومات سمعية للشعر الجاهلي والمعاصر والشعبي.

ولحسن الحظ، هناك أشرطة تقدم حلولا للقلق والخوف والتسويف، وأخرى تبث التفاؤل وتكافح التشاؤم، وتعلم طرق التعامل مع الأبناء، ومكافحة إدمان المخدرات، وكيفية تنمية الحب بين الزوجين، وعلاج المشكلات الأسرية للمراهقين، بالإضافة إلى كم كبير من الموضوعات التي تنتظر من يحركها من الأرفف.

بما أننا نقضي نصف يومنا في الاحتكاك مع شتى أنواع الناس في العمل، فإن اقتناء ألبومات تثقفنا في هذا الجانب هو عين الصواب.. فهناك ألبومات إدارية تعالج مشكلات التعامل مع زملاء العمل، وكيفية التخطيط الوظيفي، وتحديد الأهداف، وإدارة الميزانية الشخصية، والتعامل مع الناس من ذوي الطباع الصعبة، وإدارة الوقت، وإدارة الاجتماعات.. وغيرها. وبعض هذه الأشرطة يعد دورات تدريبية مسجلة، وهي فرصة لمن لا يجدون وقتا أو مالا كافيا لحضورها، خصوصا أن أسعارها زهيدة في مقابل قيمة الدورات.

وتجدر الإشارة إلى مشروع عربي عنوانه «الكتاب المسموع» الذي يلقى رواجا ملحوظا وصار يزاحم الكتب المطبوعة.. هذا المشروع الفريد الذي يطرحه المجمع الثقافي في العاصمة أبوظبي من خلال الأشرطة السمعية والأقراص الممغنطة، هو سلسلة من الكتب العربية المعاصرة والتراثية بالإضافة إلى الأجنبية المنقولة إلى العربية. ومن أمثلة الكتب التراثية المسموعة التي ساهم المشروع في إحيائها، كتابا «الحيوان» و«البخلاء» للجاحظ، و«مقدمة ابن خلدون»، و«الإمتاع والمؤانسة» لأبو حيان التوحيدي، وكتاب «ابن النفيس» المحقق من قبل د. يوسف زيدان، و«النبي» لجبران خليل جبران، وكتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع.

كما ضمت السلسلة المسموعة روايات متنوعة وعددا من الكتب الأدبية لكتاب معروفين مثل الأديب نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم وعباس العقاد وغيرهم.

وللشعر نصيبه أيضا، فمختارات الشاعر المتنبي، والإمام الشافعي، وقائمة طويلة من الشعراء المعاصرين والقدامى، أصبحت أيضا على ألبومات سمعية.

أما الكتب المسموعة المترجمة إلى العربية؛ فمنها «قصة حياتي» لشارلي شابلن، و«اليابان» لويل ديورانت، و«الأرقام والطبيعة» لإيان ستيورانت، وكتب أخرى صنفت على أنها الأكثر مبيعا في العالم.

ما أكثر ما يمكننا فعله لتطوير ذواتنا ونحن جالسون خلف مقود السيارة.. كل ما نحتاجه هو أن نضع لنا جدولا زمنيا وقائمة بالموضوعات التي نود أن نتعلمها لمدة سنة مثلا. وحتى لا يفشل هذا المشروع أو المكتبة المتنقلة، لا بد أن نكون واقعيين في اختياراتنا، كأن لا نثقل على أنفسنا بمواد عديدة أو غير ممتعة، فنمل الاستماع ثم نتوقف فجأة عن مشروع مهم، وهو تحويل السيارة إلى مكتبة متنقلة.

[email protected]