المأساة هي المسلسل

TT

كل ما كتب عن مسلسل محمود درويش على القناة الفلسطينية كان دفاعا عن صورة الشاعر الراحل وانتقادا للمشروع التجاري البائخ. ولا يمكن أن أشاهد مثل هذه العملة الزائفة والاعتداء السافر. لكنني أسأل، من ناحية مبدئية مجردة، لماذا هذه السرعة في «توثيق» حياة محمود درويش، وما هي الفصول المثيرة فيها، بحيث تحول إلى رواية ثم إلى فيلم؟

محمود درويش كان حلما لا سيرة. عاش بيننا مثل ظل شفاف. كان أبعد من الحقيقة، سواء مقاوما أو سياسيا أو شاعرا أو عاشقا. فمهما كان الممثل بارعا فسوف يظل دون نسائمية محمود. ومهما كان المخرج قديرا فلا يمكن أن يدرك الأبعاد الإنسانية العظيمة فيه.

حدث الشيء نفسه مع نزار قباني، رغم أن الدراما في حياة نزار كانت متوافرة نسبيا. ومع ذلك لم نطق أن نرى رجلا آخر يحاول أن يجسد نزار. فالرجل ليس ابن الرومي الذي نستطيع أن نرسمه كما نشاء بل هو رجل عرفه الناس وشهد الجميع أن ابتسامته لا تقلد وصوته لا يقلد وحضوره الجميل والذكي والعاصف، لا يقلد أيضا. فلماذا نزار إذن؟ ولماذا بهذه السرعة؟ ولماذا الآن محمود درويش، الشخصية التي لشدة بساطتها ووضوحها لا يمكن أن يجسدها أحد، سواء أرخى غرة شعره على اليمين أو على الشمال.

ليس كل نجم دراما. لا أحداث في حياة الملك محمد السادس أو في حياة الملك عبد الله الثاني (ونأمل ألا تكون) لكن حياة الحسن الثاني كانت دراما مذهلة من العواصف والانقلابات والاغتيالات وخيانات الأقربين. وبدأت حياة الملك حسين وهو يرى جده عبد الله يهوي قتيلا بين يديه على باب المسجد الأقصى. ثم بدأت المحاولات عليه بلا حساب. وبلغ صراعه السياسي ذروته عندما حاول «الفدائيون» قتله وتدمير نظامه في حرب أهلية خاضها ضده العرب.

السيرة الهادئة لا تلقى الرواج. كتاب الملك عبد الله الثاني الأخير هو عبارة عن مطالعات فكرية وسياسية وقومية تقدم عرضا جليا للتحديات التي تواجه الأمة. لكن ليس فيها القرار بعزل غلوب باشا من الجيش العربي الأردني.

وليس فيها تحول البلد من مجموعة قرى صغيرة وفقيرة إلى المملكة الأردنية الهاشمية التي تلعب دورا استراتيجيا مفصليا في أخطر وأدق مراحل المنطقة.

هل ضروري أن تكون السيرة مثيرة لكي تكتب؟ إطلاقا. لا تتحدث سيرة «الأم تيريزا» عن أكثر من حياة بسيطة وعادية في أزقة الفقر والمرض. ولكن تحويل السيرة إلى عرض سينمائي يتطلب إبداعا سينمائيا فائقا عندما يتعلق الأمر بشخصية عاشت حياتها تمشي فوق المياه وتعبر يوميات الحياة الصغيرة محلقة مثل البجع. لقد كانت حياة محمود، هي أيضا القصيدة. وإذا كان لا بد من عمل سينمائي ما، فقد كان من الضروري أن يعطى لخبراء عالميين في التجربة الفنية الفلسطينية بالذات، كالمخرج ميشال خليفة والمنتج عمر القطان. وربما كان في مقدورهما، على الأقل، أن ينصحا بما إذا كانت حياة محمود تصلح لمثل هذا العمل. محمود درويش لم يكن مسلسل القضية. كان رايتها.