الدهشة هي بداية المعرفة!\

TT

إذا كنت لا أعرف السباحة، فإنني أمارس سباحة المسافات الطويلة والغوص في أعماق الكتب.. أصعب الكتب وأطولها وأعقدها في ثماني لغات.. أنزل البحر ولا أخاف الغرق..

وعلمني حب السفر متعة التنقل.. ولذة التغيير.. وجمال الحركة.. أنا الذي أتنقل خفيفا من مكان إلى مكان.. من كتاب إلى آخر.. ومن مفكر إلى أديب إلى موسيقار إلى كاهن إلى راهب إلى شيخ..

وكما يقلب الإنسان الكتب بأصابعه، فإن كتاب المعمورة أقلبه بقدمي أو بعيني.. فأنا على سفر دائم وأنا أتغرب في بلاد غريبة.. لا انتهت دهشتي ولا أحسست بأني قريب لأحد أو من أحد.. وإنما غريب في كل مكان وزمان!

وإذا كان أستاذنا أرسطو قد علمنا: إن الدهشة هي بداية المعرفة.. فأنا لا أزال في مرحلة الدهشة، فلا نهاية للمعرفة!

وقديما سئل الشاعر الألماني جيته: ما هو الكتاب الذي أثر في حياتك؟ فهز رأسه بأنه لم يفهم.. فأعيد السؤال: ما هو الشخص الذي هز حياتك؟ فهز رأسه كأنه يرفض السؤال.. فقيل له: ما هي البلدة التي أثر أدباؤها ومفكروها في حياتك؟!

ولم يهز رأسه.. كأنه لم يسمع شيئا.. فقيل له: إذن ما هو الشيء أو الأشياء في الأدب والموسيقى والتاريخ التي تركت أثرا في حياتك.. أي أثر.. وليس من الضروري أن يكون عميقا أو هامشيا؟

فاعتدل الشاعر وأسند ظهره إلى الحائط.. فمن عادته أن يكتب واقفا لأوجاع في مصرانه الغليظ.. وقال: أفضل أن أجيب عن هذا السؤال كتابة!

وكتب جيته يقول: كما أن أحدا لا يعرف نوعية الطعام والشراب الذي يجعل أظافرك وعينيك لامعة فإن أحدا لا يعرف بالضبط ما الذي أثر فيك أدبيا وفلسفيا!

ولما قيل للشاعر جيته: ما رأيك في هذه العبارة: لا يقدر على الوحدة إلا حيوان أو إله؟

فأجاب بسرعة: أو.. هما معا!

أي الحيوان المبدع الخلاق.. أي الإنسان الأديب أو الفنان أو المفكر أو الموسيقار.. فقط هو الذي يطيق أن يظل وحده يبدع كل مقدمات وعناصر الحضارة الإنسانية!

وأديب فرنسا مالرو هو الذي قال: إن الموسيقار لا يتعلم الموسيقى من خرير المياه.. وإنما من موسيقى الآخرين.. والرسام لا يتعلم كيف يرسم إذا نظر إلى غروب الشمس وشروقها.. وإنما من لوحات الفنانين الآخرين.. يرى عملية تركيب الألوان ويرى حركة الفرشاة.. والأديب لا يتعلم مما يسمعه من قصص وحكايات ومن حكمة الشعوب ولكن من الذي يقرأه للأدباء الآخرين!