نهاية نظام جبان

TT

لم يكن أكثر المتفائلين بنهاية النظام السوري يعتقد أن مشاهد النهاية ستكون بهذا الشكل، وبهذا الوهج الحاصل للثورة السورية وهي تنال الدعم الداخلي المتصاعد، والمباركة والتأييد الدولي، وكذلك لم يكن أشد حلفاء ومؤيدي النظام السوري يعتقد أن النظام بهذه الهشاشة وبهذا الحماقة، ولكن هذا ما حصل. وكل ما يحصل هو نتاج طبيعي لمحصلات تراكمية قام عليها هذا النظام.

بشار الأسد حاول بكل الوسائل والطرق «إقناع» العالم والشعب السوري أنه خيار الإصلاح الوحيد، ولكنه لم يكن هو شخصيا مقتنعا بهذه المقولة، فبالتالي خرج على شعبه بمجموعة من الخطابات التي هي أشبه بالمحاضرات الأكاديمية، لا يحمل نفسه ولا أباه ولا حزبه ولا حكومته مسؤولية ما حصل من جرائم وإخفاقات عبر أكثر من أربعة عقود من الحكم الاستبدادي، وكأن ما حدث في سوريا كان نتاج غزو من كواكب فضائية مثلا.

النظام السوري لم يكن يوما في تاريخه صادقا وواضحا ولا قادرا على المواجهة، كان دوما جبانا وخادعا في التعامل مع القضايا التي تواجهه. كان ماهرا في تقديم قرابين يحملهم مسؤولية أي إخفاق أو غضب، وذلك كتخدير كلي مؤقت يمتص به نقمة شعبية ما، مثلما حدث مع رفعت الأسد وغازي كنعان ومحمود الزعبي وعبد الحليم خدام وعلي حبيب، وكثير من الأسماء الأخرى التي باتت معروفة.

فشلت كل وسائل القمع والقتل، فشلت كل وسائل الترويع المذهلة التي قام بها الجيش السوري بحق شعبه، من سحل بالدبابات والسير بها فوق الجثث، وحرق المستشفيات وقتل الأطفال، ونسف المساجد وغيرها من الأساليب المتوحشة.

ولكن شيئا ما حدث الجمعة القبل الماضية عندما أطلق عليها مسمى «جمعة الله معنا»، فأخذت الثورة تتحرك بشكل نوعي، فتحركت الدول بتصريحات تأخذ مواقف واضحة ضد النظام ومع الثورة، وتدعو بصريح العبارة للانتقال السلمي للسلطة، ولم يعد أهم يطالب النظام بالإصلاح، لأنهم يعلمون أن من أفسدها غير قادر على إصلاحها، وأن من يكذب لا يمكن تصديقه، حتى أبلغ وأشد مؤيدي هذا النظام الدموي التزموا الصمت التام.

الحديث الآن عن «متى سيرحل بشار الأسد؟ وكيف؟»، هل سيترك البلد مع مجموعة عصابته الحاكمة؟ هل سيغتال؟ هل سينقلب الجيش على النظام؟ هل سيلقى القبض عليه أم لا؟

هذا النظام المجرم الدموي يحاصر أهل الشيخين الجليلين: محمد سعيد رمضان البوطي والمفتي أحمد الحسون، ويهدد بقتلهما إذا ما نطقا بأي شيء ضد النظام؛ لعلمه أنهما أيضا لديهما حضور في الشارع، ولكن هناك علماء آخرين في سوريا تبرأوا من هذا النظام الجبان الذي لم يعرف الصدق ولا الصراحة، وباتت مسألة رحيله مسألة وقت قصير جدا، ويصبح بالتالي مفهوما جدا مدى التوتر في صفوف النظام بالقتل العشوائي المتوحش، والكتابة على الجدران، كما حصل في حماه بالمساجد «لا إله إلا بشار وماهر رسوله» و«الأسد أو لا أحد».

هذه العقلية التي تحكم سوريا اليوم، ولكنه حاكم انتهي وقته وفقد أي مصداقية أو أي احترام أو أي آدمية، وبات رحيله مسألة حتمية لا يمكن أن يرفضها أي أحد له حس إنساني مسؤول وضمير يقظ ووازع ديني.

نحن نرى الفصل الأخير في نهاية نظام جبان، وهو فصل ستكون نهايته سعيدة ومباركة للثورة السورية وللعالم بأسره.

[email protected]