التباسات روسية في الأزمة السورية

TT

تؤكد التقديرات، أن روسيا من بين أكثر بلدان العالم معرفة بالواقع السوري، وتستند هذه التقديرات إلى ثلاثة أمور معروفة على نحو واسع، أولها أن روسيا ورثت عن العهد السوفياتي جهاز أمن مشهودا له، ليس في القيام بعمليات نوعية فقط، وإنما بجمع المعلومات الدقيقة والتفصيلية عن مختلف الدول والهيئات والجماعات والأفراد. والثاني أن روسيا ورثت عن العهد السوفياتي علاقاته وصلاته، وكان من بين ما ورثته علاقات متميزة مع الدولة السورية، وهي علاقات متنوعة، تتضمن جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. والأمر الثالث، أن لروسيا علاقات داخل المجتمع والنخبة السورية على تنوعها، أساسها أن عشرات آلاف السوريين درسوا في الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا، وتعلموا اللغة الروسية، وعقدوا علاقات وصداقات مع مستويات روسية مختلفة تبدأ من مستويات الهرم الروسي في تخصصاته وصولا إلى مستويات القاع الاجتماعي.

ولأن أساس المعرفة الروسية بالحالة السورية على هذا المستوى، فقد بدا من البديهي، أن تكون روسيا على معرفة تفصيلية بواقع الأزمة القائمة في سوريا باعتبارها أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية وثقافية، تعكس تباينا بين السياسة التي طبقتها السلطات السورية في البلاد على مدى نحو أربعة عقود، وتوجه قطاعات متزايدة من السوريين للاحتجاج على هذه السياسة ونتائجها عبر سيل متواصل من المظاهرات المستمرة على مدار نحو خمسة أشهر مضت.

وكان من الطبيعي، أن تقود هذه المعرفة القيادة الروسية وشخصياتها الرئيسية مثل الرئيسين ميدفيديف وبوتين ووزير الخارجية لافرورف إلى رؤية واقعية لما يجري في سوريا من تطورات، وبالتالي تمكن تلك القيادة من صياغة موقف روسي موضوعي وحقيقي، يقوم على الوقائع والمعطيات، وهو أمر كان من شأنه مساعدة السوريين في معالجة الأزمة القائمة، ومواجهة احتمال انزلاق الأوضاع السورية في مسارات خطرة نتيجة صراعات داخلية أو بسبب تدخلات خارجية. لكن الوقائع بينت، أن الموقف الروسي، لم يسر في السياق المنطقي والطبيعي لما ينبغي أن يكون عليه الأمر الذي تجسد على نحو واضح في التصريحات والمواقف التي اتخذتها موسكو طوال فترة الأزمة في سوريا، والتي جرى في خلالها التركيز على أمرين اثنين، أولهما أن المعارضة أو قسما منها على الأقل مسلح، ويمارس عمليات عسكرية في أنحاء مختلفة من البلاد، والثاني، أن المعارضة مرتبطة بالخارج، وأنها تتلقى دعما منوعا ومتعدد المستويات من أطراف خارجية.

وبطبيعة الحال، المعارضة السورية، هي أبعد ما تكون عن التسلح وعن تبني العنف والصراع المسلح، وهو أمر لا تثبته فقط الوثائق الأساسية لجماعات المعارضة، بل مسيرتها وهي مسيرة معروفة. ولأن الأمر على هذا النحو، فإن السلطة، لم تتجرأ على توجيه مثل هذا الاتهام للمعارضة، وحتى الحراك الشعبي، فقد أكد أنه حراك سلمي في شعاراته وممارساته، وفي أسوأ مزاعم وجود جماعات مسلحة، فإنه لم يتم تقديم حجج ومعطيات كافية لإثبات وجود ملموس لهذه الجماعات، مثل أسمائها وقياداتها وتسليحها وتدريبها وتمويلها والعمليات التي قامت بها، وكلها تفاصيل إثبات ضرورية لا بد منها.

والتأكيدات والمعطيات السابقة، لا تمنع من قول إن هناك وجودا لحالات مسلحة من شخص أو عدة أشخاص ظهرت في بعض المناطق، لكن دون أن يبلغ ذلك مستوى الظاهرة.

والأمر في موضوع علاقات المعارضة السورية بالخارج في المزاعم الروسية، ليس أفضل حالا عن موضوع ارتباطها بالعنف المسلح. وبصورة عامة لم يعرف عن المعارضة السورية ولا سيما قواها الأساسية أية علاقات أو ارتباطات خارجية، خاصة أن الجسم الرئيسي للمعارضة وقياداتها موجود داخل سوريا، وهو أمر ينطبق على المنتمين إلى التحالفين الرئيسيين في البلاد وهما هيئة التنسيق الوطني للمعارضة السورية وإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وفي هذين التحالفين تنضوي غالبية الأحزاب العربية والكردية والمنظمة الآثورية والشخصيات السورية المستقلة.

لقد ركز الرسميون الروس مرات على الاتهامات السابقة، وكرر الإعلام الروسي هذه الاتهامات، ورددها بعض المحللين والمعلقين في كتاباتهم وفي أحاديثهم الإعلامية، وأضيف إلى ما سبق طرح تنويعات، تؤكد أن «سوريا تسير نحو الحرب الأهلية، وأن الاضطرابات منتشرة في مناطقها مع بروز مجموعات مسلحة، فيما النخب المثقفة منقسمة، والقيادات السياسية تبدو عاجزة عن اتخاذ القرار»، وأن حلف الناتو قد أعد خطة للتدخل العسكري في سوريا، مما يثير مزيدا من الالتباسات حول الوضع السوري.

لقد رسم الروس صورة شديدة التشوه للواقع السوري. وثمة حاجة حقيقية لبيان سبب قيام الروس بذلك العمل، هل هو بالفعل جهد من أجل تبرير موقفهم السياسي من الأزمة الراهنة، أم أنه محاولة روسية لبيع موقفهم للسلطات السورية أملا بالحصول على امتيازات في سوريا على نحو ما فعلوا في العراق قبل اجتياحه عام 2003؟

* كاتب سوري معارض