سوريا والحلول المفقودة

TT

بين القلق على مستقبل سوريا، وتوجيه النصح، ومحاولة تفادي ما يمكن تفاديه من منزلقات قد تحصل ليس في سوريا وحدها بل في عموم المنطقة التي تتأرجح ما بين أزمات سياسية وأخرى اقتصادية قادت إلى تغييرات جيوسياسية كبيرة في الأشهر الماضية.

بين كل هذا وذاك وجدنا العاهل السعودي الملك عبد الله يوجه خطابا لسوريا في وقت أشد حرجا ليس لسوريا فقط بل لعموم المنطقة، وأيضا يأتي في ظل فقدان الحكمة لقادة سوريا الذين اتخذوا من البطش والقمع الحلول التي تكلف الشعب السوري ثمنا باهظا. من خلال الأحداث اليومية ليس داخل سوريا وحدها بل في خارجها أيضا، والتي تمثلت في حراك المعارضة السورية التي تبدو نشطة جدا، يضاف إلى ذلك تحركات دولية وإقليمية لوضع حد للمجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري، نجد أن بيان مجلس التعاون الخليجي الذي صدر مؤخرا والذي أبدى فيه قادته قلقهم إزاء الوضع المتردي في سوريا، يقابله في نفس الوقت البيان الصادر من مجلس الأمن الدولي الذي يبدي هو الآخر ذات القلق، يضاف إلى هذا كله المواقف الأميركية والفرنسية والبريطانية من نظام الرئيس بشار الأسد.

ما يمكن أن نستخرجه من خطاب الملك أنه لم يقل كل ما يريد أن يوصله للحكومة السورية، لكنه ضمنه ما بين الأسطر ما يمكن أن يتفهمه أي لبيب من أن المجتمع الدولي، وبخاصة الناتو وبرعاية من مجلس الأمن الدولي، سيتدخل في الشأن السوري آجلا أم عاجلا، وبالتالي فإن المنطقة ستكون مهددة أكثر مما هي الآن، وربما هذا ما يبحث عنه النظام السوري الذي يحاول قدر الإمكان قتل الثورة ومحاولة جرها للتدويل وصناعة حرب بأي طريقة كانت ومهما كان الثمن.

فهل وصل المجتمع الدولي لحالة فقدان الحلول؟ هل من الصعب أن يقيم النظام السوري جملة إصلاحات مقنعة من شأنها أن تقوض أي تحالفات دولية للتدخل في سوريا عسكريا كما حصل في ليبيا، ومن قبل في العراق عام 2003، ولكن على ما يبدو أن النظم الشمولية حين تواجه شعوبها تحاول جهد الإمكان استنزاف الوقت من أجل تذويب هوية الثورة أولا، وثانيا محاولة جر المجتمع الدولي لمتاهات كبيرة وخطيرة.

في ليبيا كان القذافي يخطط لتدويل ثورة الشعب الليبي، لأن هذا النظام لا يمكن له أن يتصور أن الشعب قادر على إسقاطه، ورغم هذا فإنه مستعد للسقوط بتدخل عسكري أجنبي، هذا السيناريو كان حاضرا في العراق عام 2003 عندما رفض صدام كل الحلول التي تجنب العراق ويلات الحرب والاحتلال، ورفض كل المبادرات التي طرحت في حينها، كما رفض كل الحلول التي طرحت عليه بعد غزو الكويت عام 1990، وفضل خيارات الحرب على خيارات السلام، وجر المنطقة لويلات كبيرة ما زالت آثارها موجودة، وسبب الرفض يكمن في أن هذه الأنظمة غير قادرة على أن تتعايش إلا مع الكرسي، ومن دونه فإنها تفضل تدمير البلد وإحراقه ما دامت ستكون خارج السلطة وهالتها وبهرجها.

وبالتأكيد فإن ما دفع الملك عبد الله لأن يخاطب السوريين سواء الشعب أو النظام ليس من مبدأ الوصاية عليهم بقدر ما أن المملكة العربية السعودية وما تمثله من ثقل سياسي في المنطقة وخبرتها في شؤونها وقراءتها المسبقة للأحداث تكون قد كونت رأيا مفاده أن ثمة عملية عسكرية قادمة من شأنها أن تطيح بالنظام السوري أو على أقل تقدير تدمر الماكينة العسكرية التي تبطش بالشعب منذ أشهر كثيرة. هذا السيناريو محتمل جدا في ظل الانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها القوات الأمنية في هذا البلد، وهذا السيناريو وارد بشكل كبير جدا في ظل تنامي موجات السخط والاحتجاج على النظام السوري في عموم العالم، خاصة أن الجرائم اليومية التي ترتكب لا يمكن السكوت عنها.

فهل المنطقة على شفا حرب جديدة؟ أم أن ثمة عقلاء قادرين على تجاوز هذا؟ واللجوء للحلول السلمية عبر الحوارات والإصلاحات، خاصة بعد أن أثبت الحل الأمني والبوليسي فشله، وهل النظام السوري يمتلك القدرة والاستعداد للإصلاحات الحقيقية وليست الوهمية كما اعتاد عليها؟ وهنالك فرق كبير بين الإصلاح والوعود الإصلاحية.