نحن نعيش في العصر الصيني

TT

في أول رحلة لي إلى مدينة (سان فرانسيسكو) في أميركا، ذهبت إلى الميناء هناك ولفت نظري الأعداد الكبيرة من الصينيين وأسواقهم المكتظة بالناس للتسوق، فسألت من كان يرافقني عن هذه الظاهرة، فقال: إن هناك تحليلا مؤكدا وبسيطا لذلك وهو:

أنه أشيع في بلاط إمبراطور الصين في نهاية القرن الماضي أن عشرات الألوف من الصينيين الذين نزحوا إلى أميركا للعمل في مد الخطوط الحديدية يسامون العذاب والجوع.. ويعاملون معاملة العبيد.. فحشد الإمبراطور أسطولا من عشرات السفن الحربية.. وبعث بها إلى أميركا لغزوها والانتقام للرعايا الصينيين..

وبينما كان الإمبراطور ينتظر أنباء أسطوله في قلق.. كان هذا الأسطول يشق طريقه في بحر عاصف حتى انتهى إلى ميناء (مونتيري)..

ودخل الأسطول الميناء ودهش الصينيون حين رأوا أهل الميناء يستقبلونهم بالحفاوة وقد سرتهم الزيارة الفجائية..

وأكرم الأميركيون وفادة الغزاة وأقاموا لهم المآدب والولائم.. وبلغ من ارتياح البحارة الصينيين أنهم قرروا الإقامة في كاليفورنيا.. فالتحق بعضهم بأعمال السكك الحديدية، واشتغل البعض الآخر بصيد السمك في (مونتيري)..

وعبثا انتظر الإمبراطور أن يعود أسطوله ليخبره بنجاحه في غزو أميركا دون جدوى.

وهذه الحادثة التاريخية التي حكاها لي ذلك الرجل تقودني إلى ظاهرة أكبر أصبحت منتشرة في جميع أنحاء العالم وأبطالها هم (الصينيون)، فمن ماليزيا إلى سنغافورة إلى مدن أميركا الكبيرة، إلى مدن أوروبا، لا توجد مدينة هناك إلا وفيها (كانتونات) صينية، بل إنهم غزوا أفريقيا، ومصر وهي، مصر، أصبحت تنفذ بعض مشاريعها بأياديهم، وسبق أن قال لي البعض إنهم يدقون على أبواب المنازل لعرض بضائعهم الرخيصة المنافسة عليهم، ويتهافتون على شرائها شاكرين ومقدرين، حتى (فوانيس رمضان) أصبحت (made in china).

وسمعت أيضا أن حكومة دبي قررت أن تجلب (مليون) حرفي صيني وتسكنهم في منطقة جبل علي لتغزو بصناعتهم وبضائعهم منطقة الخليج وما جاورها.

وإنني على يقين لو أن دول العالم فتحت أبوابها على مصراعيها لهذا الشعب الدؤوب الذي لا يتعب من العمل، لتلون العالم بأسره باللون الأصفر الفاقع.

وأخطأ (ماوتسي تونغ) خطأ فادحا عندما أشعل ثورته الثقافية، وأراد أن يفرض الشيوعية قسرا على هذا الشعب الذي تجري التجارة في عروقه مثلما تجري الدماء.

وما أن مات (الزعيم) حتى خرج ذلك المارد من قمقمه، وها هي الصين اليوم تتجاوز اليابان وتصبح ثاني أضخم دولة بعد أميركا في مداخيلها الاقتصادية، وانتظروا عدة عقود لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، واذكروا كلامي إذا قلت لكم إنها سوف تتجاوز حتى أميركا.

فنحن جميعا أصبحنا الآن نعيش في العصر الصيني بدون منازع.

ومن لا يصدق كلامي فعليه على الأقل أن يذهب الآن إلى (شنغهاي) وسوف يرى ما يدهشه.

[email protected]