كل شيء يؤلمك!

TT

أشهر قنبلة في الدنيا هي القنبلة الذرية.. الذرية نسبة إلى الذرة.. أي إلى الجسم الصغير جدا الذي لا تراه العين.. فإذا انفجرت أنت تعرف النتيجة.

وقطرات الماء عندما تنزل من السماء.. إنها تهد الجبال.. فالعكارة التي نراها في النيل عند الفيضان، إنها الذرات التي سحقتها مياه الأمطار.

والمطر هو دموع السماء.. والعكارة هي دموع الجبال أيضا.

والانفعالات الشديدة هي النار التي تحول الماء إلى بخار.. وهي النار التي تذيب الحديد.. أعصابك الحديدية.. وهي النار التي تحيل عينيك الجامدتين إلى مصابيح حمراء.. هي النار التي تأكلك فتصبح أفكارك دخانا.. وكلامك شرارا وتجعل كل شيء يؤلمك ويوجعك..

قلت: أيوه فكرتني.. إنني ألاحظ أن كل شيء يوجعك.. كل شيء يؤلمك.. كأن أعصابك خارج جلدك.. كأن شعر جسمك هو أعصابك.. أو كأن كل شعرة في جسمك هي «إيريال» يتلقى كل شيء من الخارج ويوصله إليك بسرعة.. أو كأن هذه الشعرات تتحول إلى إبر توجعك.. أو كأنك فقير هندي.. فبدلا من أن ينام على سرير من المسامير فقد وضع المسامير في جلده ليصبح كل مكان سريرا له.. فالمسامير في جسمه والسرير في أي مكان.. أو كأنك جمعت كل الإبر الموجودة في الناس وغرستها في نفسك.. كأنك المسيح الذي تحمل الآلام نيابة عن البشر.. قل لي إيه حكاية الألم الشديد الذي تعانيه؟ ثم ما حكاية الاحتقار الواضح الذي تخفي فيه آلامك كأن آلامك قطعة من القماش الأحمر وضعتها في كيس من النايلون الأسود؟

وكان ردي: نعود إلى حكاية العجوز الذي أحب.. لا يمكن أن يكون هناك رجل عجوز يحب دون أن يكون في هذا الحب بعض الاحتقار لنفسه أو لغيره.. فهو أولا يحتقر نفسه لأن الحب جعله يهبط إلى هذه الدرجة، لأن الحب جعله يضع الحمص والسوداني في جيبه.. ويجعل تصرفاته أيضا كتصرفات العيال الصغار.. وهذا هو الذي يجعل العجوز يحتقر نفسه.. وهو في الوقت نفسه يحتقر الفتاة الصغيرة التي يحبها.. يحتقرها لأنها مصدر عذابه.. يحتقرها لأنها جعلته يتحول إلى طفل غير محترم.. أمام الناس وأمام نفسه.. وهذا هو الأهم.. ولأنها لا تقدر حبه لها.. لا تقدر التضحية الشديدة التي قام بها.. لا تقدر الثمن الذي دفعه من كرامته.. فالحب هنا كالنار التي تجعل ماء الوجه يتبخر تجعل الكرامة تتحول إلى دخان في الهواء!