شكرا طارق

TT

هو من وصفه زعيم المعارضة العمالية البريطانية بـ«وجه بريطانيا الحقيقي». إنه طارق جهان، المسلم البريطاني من أصل باكستاني، الذي قدم درسا للجميع، في خضم موجة أعمال العنف التي اشتعلت الأسبوع الماضي في انجلترا طارق، قبل أن يدفن ابنه ذا الـ21 ربيعا مقتولا دهسا بسيارة، دعا الجميع للهدوء والعودة لمنازلهم وعدم الانتقام من قاتلي ابنه، فأي مسلم كان طارق بتصرفه هذا؟

لا جدال أن الكثير من المحسوبين على الإسلام والمسلمين شوهوا صورة هذا الدين العظيم في العالم بأسره، وبريطانيا كانت على رأس القائمة؛ لذا فإن ظهور مثل هذه المواقف الإنسانية اللافتة يعطي فرصة لكي يعرف العالم سماحة الإسلام على أصولها، ولا ينخدع بمن زعموا، زورا وبهتانا، أنهم يمثلونه. من الصعب لوم الغرب على شيء من نظرته السلبية عن المسلمين، ما دام لدينا أمثال «القاعدة» الذين يقتلون ويمعنون في ترويع الآمنين، ثم يصرون على أن أفعالهم قاموا بها باعتبارهم مسلمين، ومهما تبرأ باقي المسلمين منهم، فإن الانطباع الخاطئ يكون قد ترسخ في أذهان البسطاء من عامة تلك الشعوب. لكن انظروا ماذا قال طارق جهان، بعد ساعات معدودة فقط من فجيعة مقتل ابنه، معبرا عن صورة المسلم الحقيقي، وداعيا للسلام والتصالح، فقد قال: «السود والآسيويون والبيض، كلنا نعيش في مجتمع واحد، لماذا علينا أن نقتل بعضنا البعض؟ تقدم إذا كنت تريد أن تخسر أبناءك. أما إذا لم ترد ذلك، فاهدأ واذهب لمنزلك.. رجاء».

ليس من المبالغة على الإطلاق وصف موقف هذا الرجل الحكيم بلحيته البيضاء، وهو يخاطب المحتجين الغاضبين من أبناء جاليته، بالموقف الإيجابي الأبرز في كل أحداث العنف التي شهدتها المملكة البريطانية.. تخيلوا لو انساق جهان خلف دعوات الانتقام، وهو أب في نهاية الأمر فقد فلذة كبده، واشتاط غضبا كما فعل بعض أصدقاء ابنه، الذين توعدوا «بملاحقة السود، وتقطيع رؤوسهم وإطعامها للكلاب»! ماذا كان يمكن أن يحدث عندها؟ وهذا أمر ليس بعيدا عن بعض العقول، خاصة إذا دخل على الخط بعض المتلحفين بعباءة الدين، كيف يمكن أن تصل الأمور في سوئها؟ بل متى يمكن أن يتوقف العنف لو قُتل شخص واحد برد فعل انتقامي؟ الله وحده يعلم كيف ستكون عاقبة الأمور، وربما لبلغت أعمال العنف من الخطورة ما لا يمكن تصورها ولم تتوقف حتى هذه اللحظة.

موقف طارق جهان، التلقائي، انعكس سريعا في الشارع البريطاني الرسمي والشعبي؛ حيث قفز الرجل المكلوم ليكون نجم الأسبوع الأول، وتبارت الصحف البريطانية في إبراز قصته وموقفه البطولي لصالح السلم الاجتماعي، حتى ولو كان على حساب آلامه الشخصية، واعتبرته صحيفة الـ«ديلي ميل»، اللندنية، نموذجا حيا لسماحة الإسلام. كم نحن بحاجة لمثل هذه المواقف العاقلة الرصينة في هذه الأيام.

سيتذكر البريطانيون، من سكان أصليين ومهاجرين، ما فعله طارق جهان. سيتذكرون أن مواطنا بريطانيا مسلما رفض الانتقام الشخصي، وآثر سلامة المجتمع الذي أصبح هو وطنه. جهان ارتقى على مصيبته لصالح أمته، فحق أن يكون كمن قال فيهم سيد الخلق: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى». شكرا طارق.. فخورون بأن أحد المسلمين يُضرب به المثل بأنه «وجه بريطانيا الحقيقي».

[email protected]