لماذا يكرهوننا؟!

TT

اتصل بي أحد الأصدقاء ليدعوني إلى جلسة رمضانية في هذه الأيام المباركة، وقال لي: إن لدي مجموعة أصدقاء تناسبك. فقلت: ماذا تقصد؟ فقال لي: إنهم من بلاد الثورات العربية، فضيوفي من مصر وليبيا واليمن وسوريا وتونس، زوار بيت الله في هذا الشهر الفضيل. وطبعا دار الموضوع بشكل متوقع عن الأحداث الحاصلة والأسباب ومحاولة قراءة اتجاهات المستقبل. ولكن استمعت بإنصات شديد من الضيف السوري الذي كان يوضح ويحاول أن يشرح حجم سطوة النظام في بلاده على الشعب، وحجم الإجرام الذي تم عبر السنوات بحق السوريين على الأصعدة المختلفة سواء أكانت ثقافية، أم مالية، أم اجتماعية، أم أمنية، أم سياسية. وضح الرجل أن هذا النظام له أحقاد دفينة، كان العديد من طبقة هذا النظام الحاكمة ينظرون لها برغبة الانتقام لأن بناتهم عملن في بيوتهم كخادمات وتم «بيعهن» مقابل ذلك، وكذلك كانت أحقاد مناطقية، أي ضد مناطق بعينها لاعتقادهم أنهم «تمادوا» في الإثراء أو في التدين، وبدأ مسلسل متدرج في تصفية رموز البلاد بالتضييق عليهم وإجبارهم على الهجرة أو بالزج بهم في السجون أو بتصفيتهم، وكذلك كان الأمر بصورة مغايرة، ولكن لأجل نفس الهدف، مع دول عربية أخرى، فاختلقت العداوات وحيكت المكايد ونفذت الاغتيالات لزعزعة أنظمة وابتزازها بأشكال إجرامية. وأضاف أنه لن يستطيع العالم معرفة العدد الحقيقي لمن قتلهم النظام السوري من السوريين ولا عدد من اعتقلهم، لأنهم بعشرات الآلاف ويتم إخفاء التفاصيل الحقيقية للجرائم بحيث يصعب تتبع بياناتها. إن العالم اليوم يشهد في سقوط النظام السوري نهاية أحد أكثر الأنظمة التي عرفها التاريخ الحديث إجراما ودموية. عندما حدث حادث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) طرح الغرب على أنفسهم سؤالا فلسفيا استغرق وقتا كبيرا من البحث والجدل، وهو «لماذا يكرهوننا؟!» في محاولة لفهم «كراهية» المسلمين والعرب للغرب و«قيم» الغرب، وتلا ذلك سؤال من المسلمين والعرب أيضا بنفس الصيغة «لماذا يكرهوننا؟!» في محاولة لفهم ظاهرة الإسلافوبيا والرعب من المسلمين والاعتداء على حقوقهم والتطرف ضدهم، ويبدو أن الشعوب العربية اليوم فجأة تفيق مصدومة لتكتشف بغض حكامها لشعوبهم.. بسرقتهم والاستبداد فيهم، وإبادتهم ونعتهم بالجرذان والمندسين وغير ذلك من الألفاظ السيئة، فبات من المنطقي أن تسأل الشعوب نفس السؤال عن رؤسائهم، وهو «لماذا يكرهوننا؟!»، ولا يوجد وضع يستحق أن يطرح هذا السؤال الوجيه جدا بقدر ما يمكن أن يطرح في سوريا التي جمعت النهج الاستبدادي بالشكل الوحشي منذ أول يوم وصل فيه نظام الأسد إلى الحكم وحول «الجمهورية» السورية إلى مزرعة خاصة لا قانون ولا نظام ولا دستور ولا شرع يحكم فيها إلا قدسية الحاكم وتأليهه، حتى أفاق الشعب من غيبوبته ومزق الصور وأسقط التماثيل وألقى بالشعارات المضللة إلى مزبلة القمامة، لينادي بالحرية والكرامة والعزة والأمل، وهو خط تبناه الملايين من الأحرار الأعزاء في سوريا، يقوي من عزيمتهم تأييد العالم المتزايد لهم، ولن يعودوا ولن يعود العالم معهم إلا بتحرير سوريا من النظام المستبد الذي حكمهم، ومن جيشها الموتور الذي احتلهم. مشاهد الأمل تتفوق على مشاهد الاستبداد، وساكن «قصر الشعب» في دمشق يدرك تماما أن نظامه انتهى ولكن يصر على كره شعبه وإبادته إلى آخر لحظة.. بكل حقد، بكل كراهية، بكل احتقار.. هل عرفتم «لماذا يكرهوننا؟!».

[email protected]