يا أتباع نظام مبارك: اذهبوا فأنتم الطلقاء

TT

كان بمقدور «مانديلا»، الرجل الأسطورة، أن يدغدغ مشاعر الشعب المصري المقهور من نظامه الاستبدادي الهالك ليزيد رصيده الجماهيري الضخم، فيكسر نصاله على النصال التي وجهها الشعب الغاضب ضد النظام البائد ورئيسه وأسرته ورموزه، خاصة أن ثورة السود بقيادة مانديلا تتقاطع كثيرا مع الثورة المصرية، هما ثورة سود وسواد، ثورة السود في جنوب أفريقيا ضد قمع الأقلية البيضاء، وثورة السواد في مصر ضد قمع أقلية رغبت في التحكم في أقدارها ومقدراتها، بل إن مدد السجن متقاربة، مانديلا لبث في سجنه 27 سنة والشعب المصري مكث في سجنه الكبير ثلاثين سنة حتى استنشق الحرية في 25 يناير.

نيلسون مانديلا، أبو الثورات العالمية ورمز النضال الجماهيري العالمي، وجه للثورة المصرية رسالة تاريخية عاتبة حادبة حانية لكنها صريحة وقوية، وكعادة الكلام الحكيم الرزين، تاهت رسالته التاريخية بين الأصوات المتشنجة الصاخبة، فلم نسمع لها ذكرا، فقد وجه مانديلا الثائر خطابه للشعب المصري الثائر، عاتبا عليه بل ومحذرا من وأد الثورة في مهدها بفتح باب المحاكمات على كل من له صلة بالنظام السابق، يقول مانديلا «أنا أتفهم الأسى الذ يعتصر قلوبكم وأعرف أن مرارات الظلم ماثلة.. إلا أنن أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة، فهذا القطاع الواسع من مؤيدي النظام السابق يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج، فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم ف هذه المرحلة الت تتميز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن».

والمشكل هنا أن ثمة استحالة في وضع الخيط الأبيض من الخيط الأسود في تحديد من هم أزلام السلطة المشاركون للرئيس مبارك أو أي «مبارك» متسلط في عالمنا العربي، هل هم الوزراء؟ لو كان كل وزير يعينه طاغية جبار هو طاغية مثله لكان يوسف عليه السلام الذي عينه فرعون أحدهم، وحاشاه، ولكان رئيس وزراء الثورة عصام شرف واحدا منهم، وكذلك رئيس المجلس الانتقالي الليبي، ولو كان المستشار الذي يرشحه ذو ملك عضوض شريكا في الأثرة والتسلط لكان رجاء بن حيوة واحدا منهم وهو المستشار الأبرز للخليفة سليمان بن عبد الملك، كان تغشي بن حيوة بلاط السلطان سببا رئيسيا لأن يرشح عمر بن عبد العزيز خليفة بعد سليمان، ولو كان من لازم اجتثاث ذيل الأفعى اجتثاث كل محافظ عينه حسني مبارك لكان محافظ الإسكندرية القديم أحدهم والذي ذهبت الركبان المصرية بسيرته ونظافته واحترافية عمله، إذن هل هي وزارة الداخلية؟ بحكم أنها المسؤولة الأولى عن قمع المواطنين وإهانتهم وترويعهم؟ حسنا، خذوا أيها الثوار قلما و«فرجارا» وارسموا دوائر على من تشملهم المساءلة والمحاكمة، ستجدون بعضكم يقول الوزير العادلي ووكلاء الوزارة فقط، وبعضكم أوصل المحاكمة بل وتنفيذ الحكم باليد إلى أصغر جندي في مخفر شرطة مغمور، وقد ساقت لنا الأخبار أمس الأحد تعرض عدد من مخافر الشرطة للاعتداء والحرق.

إذن فليس ثمة مبدأ يمكن اتباعه مع أتباع الظلمة أجمل من المبدأ النبوي «اذهبوا فأنتم الطلقاء» يقول مانديلا «أتباع النظام السابق ف النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد.. فاحتواؤهم ومسامحتهم ه أكبر هدية للبلاد ف هذه المرحلة.. ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم ف البحر أو تحييدهم نهائيا»، لا نقول ذلك شفقة على نظام طاغوتي بائد ولكن شفقة على البلاد وثورتها وثروتها، نريد للمصريين أن ينشغلوا بتنمية بلادهم لا أن يشغلوا أنفسهم بالتشفي من النظام السابق وأزلامه وأتباعه.

[email protected]