هل يثق المصريون بالإخوان؟

TT

ما يحدث في مصر اليوم من تجاذبات، ليس شرا كله، بل إن في بعضه خيرا، وتنبيها، للمصريين عامة، وللجماعات السياسية، خصوصا الداعية منها لمدنية الدولة، أو قل دولة القانون، بعد الثورة المصرية.

أبسط مثال على ذلك الجدال الدائر حول الإعلان عن المبادئ الدستورية الذي يعترض عليه «الإخوان المسلمون»، والجماعات الإسلامية، في الوقت الذي يجد فيه قبولا من قبل القوى السياسية المدنية. إعلان المبادئ لا يعني حرمان «الإخوان»، أو الإسلاميين عموما، من الوصول للحكم، بل يعني ضمان مستقبل مصر، وديمقراطيتها، كما يعني أن أرض الكنانة تسير في الطريق الصحيح لتكون دولة قانون، سواء حكمها «الإخوان» أو أي قوة سياسية أخرى. وهذا أمر يستحق القبول من جميع المصريين، كما يستحق جهدا سياسيا وإعلاميا جبارا من قبل القوى المدنية لشرح الفكرة لعموم المصريين، من أجل توعية الرأي العام المصري بأهمية الإعلان عن مبادئ الدستور الآن، وقبل إتمام العملية السياسية كلها.

وبالطبع، فإن رفض «الإخوان» للمبادئ الدستورية يعني أنهم وقعوا في الفخ الذي نصبوه للشباب والقوى السياسية المدنية الأخرى التي أشغلها «الإخوان» مطولا بعد تنحي مبارك بقضايا ثانوية مقابل قضية ضمان مستقبل مصر، وهو الأهم. فمجرد رفض «الإخوان» لإعلان المبادئ من شأنه أن يجعل المصريين في موقع المتشككين في صدق نوايا «الإخوان». فهل الجماعة، مثلا، صادقة بحديثها عن الديمقراطية، وتداول السلطة، أم أن «الإخوان» ينوون الظفر بالحكم، ثم يغيرون قواعد اللعبة؟ فإعلان المبادئ الآن مثل قانون كرة القدم، حيث تنزل جميع القوى السياسية المصرية، بمختلف أنواعها، لأرض الملعب السياسي، عند الانتخابات وغيرها، وفق قوانين لعبة معلومة مسبقا، ومتفق عليها، لا أن توضع قواعد اللعبة داخل الملعب السياسي.

فالخوف كل الخوف اليوم وغدا - في حال لم تعلن المبادئ الدستورية - أن يلعب «الإخوان المسلمين» لعبة «هدف المغرب» بعد الانتخابات في مصر، وهي لمن لا يعرفها، طريقة في كرة القدم كانت تتبع في الأحياء أو الحواري السعودية، فعادة ما يلعب الصغار مباريات كرة القدم عصرا، وعادة قبل حلول صلاة المغرب يضغط الفريق المهزوم من أجل إلغاء النتيجة من أجل أن يلعب الفريقان على «هدف المغرب»، أي أن من يسجل هدفا مع حلول الأذان هو الفائز، حتى لو كان الفريق الآخر فائزا بنتيجة قياسية. وكثيرا ما يضغط الفريق المهزوم في حال كان أعضاؤه أكثر قوة بدنية، أو سنا، فيهابهم الفريق الآخر، وأحيانا تتم بخدعة، فيها كثير من الـ«تقيّة».

لذا، فإن رفض «الإخوان» لإعلان المبادئ الدستورية في مصر اليوم يعد مثل «هدف المغرب» سياسيا. فبعد إسقاط مبارك يريد «الإخوان» الاستئثار بحكم مصر وحدهم، وهذا خطر، على مصر كلها. وعليه، فإن عدم قبول «الإخوان» بإعلان مبادئ الدستور يعد فرصة لجميع القوى السياسية المدنية المصرية لتشرح للمصريين خطورة أن يكون بلدهم دولة متطرفة على غرار إيران. فعلى من يريد حكم مصر أن يقدم مشروعا سياسيا لخدمة الشعب، وليس شعارات ووعودا إسلامية، وإلا باتت مرحلة ما بعد مبارك أخطر من مرحلة مبارك نفسها.

[email protected]