ازيك يا فاروق

TT

لم يعد مهما، كما يقال، المكان الذي نعيش فيه، بل العصر الذي نعيش فيه، أو بالأحرى الزمن الذي لا نستطيع الخروج من تأثيراته وضغوطه.. إذا دخلنا عصرا ما، يصبح من المؤلم أن نعود إلى ما سبق. هذه ليست حكمة مستعارة من كونفوشيوس! هذه خلاصة مكالمة هاتفية مع اقتصادي لبناني عاقل، وصادق، وعلى خلق. اتصل يسألني إن كنت اطلعت على البنود التي تطالب النقابات بإدراجها ضمن الحد الأدنى للأجور. أجبت أنني بعيد، فراح يعدد ما يبدو أنه كتبه على ورقة: مصروف سيارة وبنزين (دون تحديد نوعية السيارة، ومستوى الأوكتان في الوقود، ولا نسبة التزوير فيه)، مصروف الهاتف النقال، مصروف...

لا أدري إن كان صديقي من عمري تماما أم أن ثمة تفاوتا لحسابه أو لأمري، لكنني ذكرته بأن «في أيامنا» كان الهاتف الثابت يعتبر، رسميا، من «الكماليات»، وعمليا من الأحلام. وكان البراد فرجة. وكان التلفزيون ترفا. وكان البيت السعيد فيه سيارة مستعملة لجميع العائلة (وللأقارب أيام العطلة، وللجارات إذا كان المشوار طارئا). ولكن ماذا نفعل نحن؟ أي الصديق الاقتصادي المندهش وأنا، فقد علمتني كلكلة الدهر ألا أدهش لشيء. نحن ولدنا في زمن متقدم (يومها)، متأخر اليوم، وجليدي غدا، إذا بقيت هذه الأرض تدور كما يجب ولم تفقد عقلها بسبب عقول من عليها، ولم تقرر أن ترمي نفسها من ثقب الأوزون. أين؟ لا أدري. ربما رمت بنفسها على صدر المريخ وهي ترقص مثل سامية جمال عندما تقول لفريد الأطرش (الأستاذ وحيد في سائر أفلامه) دامعة على لحنه وأنغامه المؤلمة: «ما نروح يا وحيد دنيا تانية خالص». ربما عطارد. فلا فريد أوضح ولا سامية أفصحت.

وقلت للصديق العزيز الذي انحشر في إطلاعي على بنود الحد الأدنى للأجور، وأنا ألهث وراء الفضائيات لأعرف ما هو الحد الأدنى من الأمة، قلت له: اضحك في عبك. فعندما كنت سعادتك مأخوذا بالرياضيات، والأرقام، وارتفاع سعر اللحوم في مزارع باتاغونيا (الأرجنتين) كنا نحن نذهب إلى الأفلام لنبكي مع فاتن حمامة، ونخرج من السينما بعيون متورمة بسبب الظلم الذي لحق بها. وبما أن مقياس الغباء ذاتي دائما فلم أعرف أي نوع من الأغبياء كنت إلا عندما تعرفت على فاتن. ولكثرة ما كانت فرحة وضاحكة، اعتقدت أن أحمد بهاء الدين يقدمني إلى شبيهة لفاتن، على طريقة أشباه صدام حسين. ومنذ ذلك الوقت كلما جمعني الحظ بممثل من الذين أحبهم أطلب منه، مثل حواجز الدرك، أن يعيد اسمه مرتين. وقبل أسابيع رأيت شابا يهجم علي أمام مئات الناس ويقول إنه فاروق عبد العزيز. قلت له هذا مستحيل، أولا: لأنك أكثر وسامة منه، وثانيا: لأنني لا أستحق هذا كله.

وكنت – كما يقول الأميركيون – أبحث عن إطراء، فأدرك فاروق ذلك، فزاد بأنني حقا أستحق، فقلت: خلاص! الآن تأكدت. ازيك يا فاروق.