الأزمة بحاجة لسياسات لا محاضرات

TT

هل جعلك اللغط الدائر حول الأسواق تشعر بالخوف؟ حسنا، من مفترض أن يترك في نفسك هذا الشعور. فمن الواضح أن الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2008 لم تنقض بعد بأي حال.

ولكن ثمة مشاعر أخرى يفترض أن تنتابك: إنها مشاعر الغضب. إن ما نشهده الآن هو ما يحدث عندما يستغل أشخاص من ذوي النفوذ أزمة ما بدلا من أن يسعوا لحلها.

على مدار أكثر من عام ونصف العام، أي منذ أن اختار الرئيس أوباما جعل العجز في الميزانية، وليس توفير فرص عمل، محل تركيز خطاب حالة الاتحاد عام 2010، لدينا نقاش عام سيطرت عليه مخاوف خاصة بالميزانية، بينما تم تجاهل البطالة في الأغلب. وسيطرت الحاجة الملحة المفترضة لتقليل العجز على الخطاب لدرجة أنه يوم الاثنين الماضي، وفي وسط حالة الرعب داخل الأسواق، وجه أوباما معظم تصريحاته للعجز وليس للخطر الواضح الحاضر المتمثل في ركود جديد.

ما جعل ذلك غريبا جدا هو أن الأسواق كانت تشير إلى أن معدلات البطالة، وليس العجز في الميزانية، هي المشكلة الأكبر لدينا. ولنضع في الاعتبار أن صقور الميزانية كانوا يحذرون على مدار أعوام من أن معدلات الفائدة على الدين الحكومي الأميركي سترتفع في أي يوم، وكان المفترض أن يكون التهديد من سوق السندات سبب وجوب تقليل العجز حاليا. ولكن هذا التهديد لم يتحقق. وفي هذا الأسبوع، وبعد تقليل التصنيف الذي كان يفترض أن يثير الرعب لدى المستثمرين في السندات، تراجعت معدلات الفائدة هذه إلى مستويات قياسية.

وما كانت تقوله السوق، وبصوت مرتفع في الأغلب: «لا نشعر بالقلق بشأن العجز! نشعر بالقلق إزاء الاقتصاد الضعيف!»، ويعني الاقتصاد الضعيف معدلات فائدة منخفضة وغياب فرص العمل، وهو ما يعني، بالتبعية، أن تصبح السندات الحكومية استثمارا جذابا حتى بعائد منخفض جدا. ولو كان لتخفيض تصنيف الدين الأميركي أي أثر، فهو يتمثل في تعزيز المخاوف من أن سياسات التقشف ستجعل الاقتصاد الأميركي أضعف.

إذن، كيف أصبحت القضية الخطأ تسيطر على الحوار في واشنطن؟

بالطبع لعب الجمهوريون المتشددون دورا في ذلك. وعلى الرغم من أنهم لا يكترثون كثيرا بالعجز، وللتأكد حاول اقتراح أي زيادة في الضرائب على الأثرياء، فإنهم وجدوا في العجز وسيلة جيدة للهجوم على برامج حكومية.

ولكن ما كان للحوار أن يخرج بعيدا عن مساره بهذه الصورة لو لم يكن أشخاص آخرون من ذوي النفوذ راغبين في تغيير الموضوع بعيدا عن الوظائف، على الرغم من أن معدلات البطالة تبلغ 9 في المائة، وراغبين في اختطاف الأزمة لمصلحة أجنداتهم الموجودة سلفا.

انظر في صفحة الرأي بأي صحيفة كبرى، أو أنصت إلى أي برنامج يناقش الأخبار، ومن المحتمل أن تواجه بعض مَن يقولون إنهم من الوسط يعلنون أنه لا توجد إصلاحات على المدى القصير لمشكلاتنا الاقتصادية، وأن التصرف المسؤول يعتمد على التركيز على إصلاحات على المدى الطويل، ولا سيما التركيز على «إصلاح المخصصات»، ويعني ذلك خصومات في الضمان الاجتماعي وبرنامج «ميدي كير». وعندما تواجه هذا الشخص، يجب الانتباه لأن مثل هؤلاء الناس سبب مهم في مثل هذه المشكلة.

والحقيقة أنه في الوقت الحالي يحتاج الاقتصاد بصورة ملحة إلى علاج على المدى القصير، فعندما تنزف الدم من جرح مفتوح، تحتاج إلى طبيب يضمد الجرح وليس إلى طبيب يعطيك محاضرات عن أهمية الحفاظ على نمط صحي للحياة مع تقدم السن.

وعندما يكون الملايين من المواطنين القادرين على العمل والراغبين في ذلك عاطلين، ومقدرات اقتصادية تضيع بمقدار قرابة تريليون دولار سنويا، تحتاج إلى صناع سياسات يعملون على عملية انتعاشة سريعة، وليس أشخاصا يعطون محاضرات عن الحاجة لاستدامة مالية على المدى الطويل.

ولسوء الحظ، فإن إعطاء محاضرات عن الاستدامة المالية على المدى الطويل وسيلة تقليدية لإضاعة الوقت داخل واشنطن، فهي وسيلة يستخدمها مَن يرغبون في أن يبدوا كأنهم يتعاملون مع الأمور بجدية. ولذا عندما تحدث الأزمة وتفضي إلى عجز كبير في الميزانية، لأن هذا ما يحدث عندما يتراجع الاقتصاد وتقل العوائد، وجدنا أفرادا كثيرين في نخبة السياسات لدينا متحمسين لاستخدام هذا العجز كمبرر لتغيير الموضوع من الوظائف إلى موضوعهم المفضل. ويستمر الاقتصاد ينزف دما.

كيف تكون الاستجابة الحقيقية لمشكلاتنا؟ أولا، ستضمن المزيد من النفقات الحكومية في الوقت الراهن؛ فمع معدلات البطالة المرتفعة وتكاليف الاقتراض المنخفضة، يجب أن نعيد بناء مدارسنا وطرقنا وشبكات المياه. ويجب أن تتضمن هذه الاستجابة خطوات جريئة لتقليل دين الأسر من خلال إعادة تمويل رهون عقارية. وستتضمن جهدا شاملا من جانب الاحتياطي الفيدرالي لجعل الاقتصاد يتحرك قدما.

وبالطبع، سيرفض متشككون معتادون هذه الأفكار ويصفونها بأنها غير مسؤولة. ولكن هل تعرف التصرف غير المسؤول بصدق؟ إنه اختطاف النقاش بشأن أزمة للدفع من أجل نفس الأشياء التي كنت تدعو لها قبل الأزمة، ثم تترك الاقتصاد مستمرا في نزيفه.

* خدمة «نيويورك تايمز»