الدين الأميركي ليس أكبر المشكلات

TT

بدا الرئيس الأميركي باراك أوباما على مدى الأيام القليلة الماضية سيد سوق السندات، عندما أكد على أن الولايات المتحدة دولة تصنيفها الائتماني ممتاز مهما كانت تقييمات وكالات الائتمان. وكما لو كنا في فاصل من الإطراء، ارتفعت أسعار سندات الخزانة وانخفضت العائدات إلى انخفاضات دورية. ولسوء الحظ، فإن ما كانوا يثنون عليه هو النمو المنخفض وربما الكساد المستقبلي واحتمالية انخفاض التصنيف الائتماني إلى AA-plus وديون عاجزون عن سدادها ومرونة مالية أقل من أن تتمكن من زيادة الطلب.

ولا يزال على السياسيين والمستثمرين على حد سواء التمييز بين السبب والنتيجة، والمرض والأعراض.. فقد كانت واشنطن تعمل خلال الأشهر القليلة الماضية وفقا لاعتقاد بأن الولايات المتحدة وشركاء الاقتصاد في منطقة اليورو يمرون بأزمة ينبغي التخلص منها عبر مزيد من الإنفاق على المدى القريب. بالنسبة للجمهوريين وحتى العديد من الديمقراطيين المنتخبين يبدأ الدين بخفض الإنفاق وكم الجهد الذي ينبغي أن يبذل لاسترضاء الناخبين والأسواق سواء الآن أو في نوفمبر (تشرين الثاني) عندما تبدأ لجنة «عصابة الاثني عشر» المنبثقة عن اتفاق سقف الدين عملها.

ربما تكون زيادة العائدات جزءا من الحل، لكن حتى ذلك، لمعدلات غير متوازنة من خفض الإنفاق - مثل ثلاثة أو أربعة دولارات من خفض الإنفاق مقابل دولار واحد من الزيادة الضريبية - وتفترض الأطروحات أن الأسواق والنمو الاقتصادي بحاجة إلى ما يعرف باسم خطوة انكماشية ماليا، كما كانت سياسات صندوق النقد الدولي في الأسواق الناشئة خلال العقد الماضي. يجب علينا أن نصبح، كما يشير الإجماع، مثل الأرجنتين والبرازيل والمكسيك في الثمانينات بتحجيم الميزانية عبر خفض الإنفاق والعجز، مما سيؤدي إلى ازدهار النمو الاقتصادي.

لكن على الرغم من كون الأزمة المالية والوعود بالرفاهية خلال السنوات المقبلة حقيقية، فإن الدين ليس مرضا؛ إنه عرض. لكن الافتقار إلى الطلب الكلي، أو ما نسميه الاستهلاك غير الكافي، والاستثمار، هما المرض.. فالدين، ببساطة، ترياق الأسواق الخاصة والسيادية التي أسيء استخدامها لدعمها. ونحن ومنافسونا في السوق العالمية نعاني من غياب الطلب الكلي منذ عدة عقود. ولم ترد هذه الفكرة على أذهاننا إلا في الوقت الراهن فقط، لأن الإكسير السحري للقوة استنفد وأنهك. ربما يكون ذلك الداء العضال للرأسمالية نتيجة للعديد من الظواهر طويلة الأجل التي تحدث كل قرن، والمتمثلة في:

1- التركيبة السكانية المتقدمة في السن؛ حيث ينفق مواليد الخمسينات في كل مكان بصورة أقل، مما كانوا عليه في فترة شبابهم، لأنهم يقتربون من فترة التقاعد، والأولاد والمنازل وتغيير السيارات الثانية إلى قصاصات للذكريات في مقابل قوة الإنفاق المستقبلية.

2- العولمة، حيث يوجد مليارا عامل جديد منافس من آسيا والمناطق الأخرى يحصلون على الأعمال والرواتب بدلا من العمالة سيئة التدريب في أسواق الدول المتقدمة.

3- الابتكار التكنولوجي، حيث تحل الآلات والروبوتات محل العمالة البشرية، مما نتج عنه زيادة في أرباح الشركات وتراجع الأجور.

تفرز أزمة الديون عندما تؤدي في النهاية إلى هذه الأوضاع التي تحول دون النمو، وقوى خفض الإنفاق. عندما تضخمت بطاقاتنا الائتمانية وصلنا إلى حدود تفرضها السوق تجبرنا على تقليص المديونية. بيد أنه ليس الدين، لكن الافتقار إلى الطلب الكلي العالمي هو قلب أو صميم الأزمة. وكما يناضل العالم لدفع شعوبه إلى العمل قبل الدول الأخرى، قام المشرعون بخفض أسعار الفائدة بصورة بناءة وتأجيل القروض السيادية وقروض الشركات والأسر الأميركية لتوفير متنفس لها للسداد. بيد أنه من الناحية المالية، فإن المعارضين لبرامج الإنفاق الحكومي وموازنة الميزانية في الحال يضفي جدلا بناء حول نوعية الطلبات التي لا تزال قائمة وبحاجة إلى الحل.

تتنازع واشنطن على سقوف الدين بدلا من توفير الوظائف في الاعتقاد الخاطئ بأن الميزانية المتوازنة سينتج عنها اقتصاد متوازن، لكنه لن يكون كذلك.

يجب أن يدرك الرئيس والكونغرس أن التصنيف الائتماني للبلاد AA-plus ولكي يظل كما هو، يحب أن نركز على النمو لا خفض الدين على المدى القريب. نحن لدينا مشكلة في الدين؛ لكننا نواجه مشكلة في الطلب الكلي. وخطة كينيس للقرن الحادي والعشرين الراغبة في الإنفاق ينبغي أن تضع ذلك في اعتبارها، وأن تقرع الأجراس وتشير إلى أن صناع السياسة من المنظور المالي يوجهوننا نحو الركود والدمار الذي شهدته البلاد في الثلاثينات بدلا من نمو منخفض، لكن لا يزال يتنفس اقتصاد الولايات المتحدة للقرن الحادي والعشرين.

*مؤسس ومساعد مدير الاستثمار في شركة «بيمكو» لإدارة الاستثمار

*خدمة «واشنطن بوست»