هوية مصر

TT

تبدو المعركة التي تخوضها تيارات الإسلام السياسي في مصر ضد مشروع المبادئ الدستورية - أو الحاكمة للدستور المقبل، أيا تكن التسمية التي سيجري الاتفاق عليها - محيرة ومثيرة للتساؤلات حول النيات الحقيقية لهذه القوى والشك في رغبتها في اختطاف هوية المجتمع والدولة في اتجاه الدولة الدينية خلافا لإرادة ثورة 25 يناير.

قراءة مشروع وثيقة المبادئ الدستورية أو الحاكمة للدستور المقبل والذي نشر في صحف مصرية وتعده الحكومة حاليا مع المجلس العسكري الحاكم، لا تكشف عن شيء يمكن أن يختلف عليه اثنان؛ فالمبادئ عامة وتتعلق أساسا بهوية الدولة أو النظام الذي يؤسس له.. دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة وسيادة القانون وتحترم التعددية وتكفل العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، والسيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حرية العقيدة، وحرمة الحياة الخاصة، وحق الأفراد في المعرفة وتداول المعلومات إلى آخره.

لا شيء يمكن أن يختلف عليه إذا كانت النيات صافية وسليمة.. إذن لماذا هذه المعركة التي تشنها تيارات الإسلام السياسي المصري الممثلة في جماعة الإخوان وحزبها السياسي الوليد والجماعة الإسلامية على هذه الوثيقة إلى درجة التلويح بالصدام مع المجلس العسكري الذي يدير البلاد لحين إجراء انتخابات عامة في الأشهر المقبلة؟

الإخوان المسلمون حذروا المجلس العسكري من إصدار هذه الوثيقة في إعلان دستوري، ولوحوا بالنزول إلى الشارع، ومعهم في نفس الاتجاه الجماعة الإسلامية التي يمكن وصفها بأنها من المتحولين، بعد أن كانت صاحبة نظرية عدم الخروج على طاعة الحاكم عندما كان المتظاهرون يحتشدون ضد النظام السابق في ميدان التحرير لإسقاطه، بينما حذر مرشح إسلامي رئاسي (حازم أبو إسماعيل) الإسلاميين الذين يقبلون بمدنية الدولة من أنهم أمام لحظة الحقيقة وأن الشعب يريد شرع الله أي بلغة سياسية يريد دولة دينية.

وسط هذه القوى، الأهم هو مراقبة التحولات التي تجري في الموقف السياسي لدى الإخوان باعتبارهم قوة شريكة في الثورة، وقدراتهم السياسية هي الأقوى بين هذه التيارات حتى لو كان الإخوان أكثر عددا منها، فهي كانت قابلة في السابق للفكرة وتفاوضت مع القوى السياسية الأخرى عليها، ولكن يبدو أنها تحت ضغط المنافسة مع الجماعة الإسلامية عدلت موقفها لتعود الآن لتعتبر إصدار هذه المبادئ تجاوزا لإرادة الشعب الذي جاءت نتيجة تصويته في الاستفتاء الذي أجري على التعديلات الدستورية مفضلة للانتخابات أولا قبل الدستور.

والحقيقة أن هذه الحجج مردود عليها؛ فمثل هذه المبادئ إذا اتفق عليها الجميع يمكن أن تقر من خلال استفتاء جديد لتصدر في شكل إعلان دستوري يحكم أساس الدولة المقبلة ويحفظ هويتها، إلا إذا كانت المعركة فتحت من الآن على هوية الدولة المقبلة.

ونعود للسؤال: ما الذي يخيف هذه القوى من المبادئ العامة للحقوق والحريات والهوية المطروحة في مشروع الوثيقة؟ فهل هناك أحد ضد الحريات والتداول السلمي للسلطة وحرية العقيدة وسيادة القانون والديمقراطية؟

ولن نجد شيئا في هذه البنود يثير إزعاج الإخوان والجماعة الإسلامية سوى المتعلق بأن السيادة للشعب وحده وأنه مصدر السلطات. فهذا هو الذي يحمي هوية الدولة من أخذها في مسار ديكتاتورية دينية.

نظام الديكتاتورية الدينية يمكن أن نجده في نموذج الدولة الايرانية؛ فمن حيث الشكل هناك تداول سلمي للسلطة، وانتخابات رئاسية، ورئيس يتغير تقريبا كل مدتين بعد منافسات مع مرشحين آخرين، وبرلمان يشاكس الحكومة والرئيس، لكن كل ذلك يدور تحت إشراف سلطة غير منتخبة تحدد قواعد اللعبة وتعتبر نفسها أعلى من الرئيس والبرلمان والشعب ممثلة في مرشد الجمهورية ولجنة الخبراء المكونة من رجال دين هم الذين يمسكون بخيوط اللعبة. والرئيس درجته أقل من المرشد الذي يمثل السلطة الحقيقية المستمدة من المؤسسة الدينية وليس من الشعب. وبالتأكيد فإن مدنية الدولة ليس لها علاقة بذلك.