محور أبو عدس

TT

تفاصيل القرار الاتهامي الذي أعلنته المحكمة الدولية والمتعلق باتهام أربعة عناصر محسوبين على حزب الله بجريمة اغتيال رفيق الحريري تبين أن منطقتنا تعيش، ومنذ عام 2000، وحتى اليوم، في مرحلة «محور أبو عدس»، وليس المقاومة أو الممانعة.

تفاصيل الاتهام تبين أن جريمة اغتيال الحريري، وحجمها، وكيفية تفاصيلها، لا يمكن أن تتم بجهد أربعة أفراد وحسب، مهما بلغت مهاراتهم بالإجرام، بل هو جهد منظم على أعلى المستويات، ولا بد أن خلفه «أجهزة» تنظم، وتنسق، وتمارس التضليل. فلو كان المنفذون لاغتيال الحريري هم الأشخاص الأربعة فقط، لكان من السهل كشفهم من «أجهزة» أخرى تعمل بلبنان، مثل الاستخبارات السورية التي كانت تسيطر على لبنان وقتها رسميا، عدا عن أجهزة حزب الله، وإيران. ففي لبنان ثقب مفتوح لكل مسترقي السمع! ولذا فليس من السهل أن يقوم أربعة أفراد بتخطيط عملية ضخمة مثل اغتيال رفيق الحريري بهذه السهولة، خصوصا أن التخطيط تم بالضاحية، مقر حسن نصر الله.

ومن المهم التنبه هنا لأمر حيوي؛ فالعملية نفسها التي خططت في الضاحية وأقحمت طرابلس فيها لتصور على أنها عمل إرهابي قامت به جماعة سنية إرهابية - ولذا تم اختلاق قصة أبو عدس، للتضليل بالطبع - تعد مؤشرا على أمر أخطر يدور في منطقتنا منذ عشر سنوات، وهو إلصاق كل عملية إرهابية في المنطقة بجماعات سنية، وذلك استغلالا لفورة «القاعدة» وجرائمها، وهو استغلال مقصود، وهذا ما يفسر التقارير الموثوقة عن علاقة إيران بـ«القاعدة»، سواء في العراق أو أفغانستان، وكذلك مراكز التدريب في سوريا، أو التقارير الأخيرة عن التحركات الملحوظة لميليشيات شيعية في العراق. وهنا علينا أن نفكر مليا: هل يعقل أن بمقدور إرهابيين - أيا كانت مهاراتهم - القيام بعمليات ضخمة في منطقتنا من دون دعم «أجهزة» دول لهم؟

فهل يعقل، مثلا، أن يقوم تنظيم القاعدة بـ15 عملية إرهابية في وقت متزامن في 15 مدينة عراقية، والتي تمت قبل أيام، من دون مساعدة «أجهزة» أمنية، سواء داخليا أو خارجيا؟ أمر لا يصدق أبدا. فإذا كانت «القاعدة» تستطيع فعل ذلك بتلك السهولة، فما الذي تفعله إذن حكومة نوري المالكي طوال هذا الوقت في العراق؟

وعليه؛ فإن ما نشهده في منطقتنا منذ سنوات ما هو إلا «محور أبو عدس»، وليس محور الممانعة، حيث التضليل، والاغتيالات، وفي مناطق جغرافية لحلفاء إيران وسوريا وحزب الله يد طولى فيها، سواء في العراق، أو لبنان. وبالطبع، فإن لدى «محور أبو عدس» منظومة إعلامية متكاملة، وشبكة معقدة من الواضح أن من يقف خلفها «أجهزة» دول، وليس عمل أفراد، فهناك شبكة تقوم بالتخطيط والتنفيذ، تخدمها منظومة إعلامية تقوم بالتضليل وربط كل ما يحدث إما بإسرائيل، أو بنسب تلك الجرائم لجماعات أصولية سنية، ولأهداف واضحة، أهمها فرض النفوذ الإيراني لتثبيت الحزام الطائفي حول العراق وسوريا ولبنان، وكذلك لتخفيف الضغط عن نظام الأسد الآن.

ولذا؛ فإن أهمية محكمة الحريري لا تكمن فقط في تحقيق العدالة، بل ومن أجل فضح الخديعة الكبرى لما أسميه «محور أبو عدس» في المنطقة.

[email protected]