عن وقف بث المحاكمة

TT

لم تصمد محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك تلفزيونيا، ففي نهاية الجلسة الثانية السريعة والمقتضبة من محاكمة مبارك أتى قرار القاضي بوقف البث التلفزيوني للجلسات لينهي علنية حدث تاريخي كان لا يزال في بدايته.

من الطبيعي أن تكون صور ووقائع محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين والنهاية التي آل إليها ماثلة في ذهن كل من هو معني بمحاكمة الرئيس المصري السابق، سواء أكان مؤيدا أم معارضا. فمحاكمة مبارك هي بمثابة دراما ثانية بعد دراما محاكمة صدام، وهي تجري تحت أعين رؤساء وزعماء يتحسسون أنفسهم مخافة مصير مماثل..

هناك من ترعبه فكرة علنية المحاكمة وعلنية جلسات الشهود.. كيف ننسى مرافعات صدام حسين عن نفسه واشتباكه مع القاضي، والأسوأ علنية صور إعدام طاغية العراق التي بدت حينها أبعد ما تكون عن العدالة المنشودة، وبدت بمثابة انتقام تحت مظلة المحكمة.

ستبقى صور محاكمة صدام مادة للمقارنة مع محاكمة مبارك ومادة لخيال واسع إذا شملت المحاكمات مستقبلا رؤساء وزعماء عربا آخرين طالما أن قطار الثورات لا يزال في زخمه ويمكنه أن يطيح برؤوس أخرى.

لا شك أن الفوضى العارمة التي رافقت الجلسة الأولى والتي حولت محاكمة ثاني رئيس عربي إلى عراضة هزلية تدافع فيها المحامون لإثبات قدرات مسرحية استعراضية هو ما سمح للقاضي بالتشدد في أمر منع البث التلفزيوني بمباركة واضحة من المجلس العسكري. الخطوة هذه لاقت بعض الثناء والتبرير بأنها خطوة ضرورية لوقف الاستعراضات التي تنطح لها عدد من المحامين والذين أغوتهم فكرة البث المباشر وبالتالي ضمان محكمة جدية لمبارك..

لكن في الحقيقة، ليس في قرار وقف البث ما يثير أي اطمئنان ولا أي ضمان لشفافية منشودة، خصوصا لجهة الملابسات التي رافقت المحاكمة والتي ترافق الحراك المصري الذي أعقب الثورة وعنوانه السيطرة شبه المطلقة للمجلس العسكري والذي تثير الكثير من قراراته القلق على مكتسبات ثورة 25 يناير (كانون الثاني).

منذ بداية المحاكمة تفاوت التعامل مع مبارك، فإن كانت القوانين المصرية وقاعات المحاكم غير لائقة برئيس مخلوع فهي أيضا لا تليق بمواطن عادي يستحق أن يشعر أنه متساو مع مبارك أمام القانون..

محاكمة مبارك تطرح بشكل مباشر مستقبل الثورة في مصر، فهي تحمل رمزية مهمة حول جدية إنهاء الحكم البوليسي والأمني الذي لا يبدو أنه انتهى، خصوصا مع تزامن محاكمة مبارك مع التحقيق مع المدونة والناشطة المصرية أسماء محفوظ لأنها انتقدت عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني المجلس العسكري والقضاء.

محفوظ تحاكم في محكمة عسكرية بينما مبارك في محكمة مدنية.

بالأمس سجلت خطوة في مصلحة الرئيس المخلوع تتمثل في وقف البث التلفزيوني، كذلك لوحظ حضور مكثف لمحاميه ومناصريه خارج قاعة المحكمة. المجلس العسكري غير بعيد عن القرارين.

الأكيد أن هذه مؤشرات مقلقة على مستقبل الثورة..

diana@ asharqalawsat.com