إذ نكتب

TT

لا أذكر أنني كتبت مرة إلا في جانب الضعفاء، عدا ربما حالات سذاجة وانخداع. وفي كل الحالات لم أضع يوما ضميري على الرف، على أن أعود إليه في وقت لاحق. طبعا أخطأت مرات كثيرة في أحكام كثيرة، لكن قبل أي نضوج سياسي بكثير، كان الرادع الأخلاقي حاضرا. يلاحظ قراء أعزاء، بمحبة، أنني أيدت وانتقدت الرجل نفسه. الذي لا يلحظونه أنني أيدته في خيره. ويقول آخر: لكنك أيدت توريث جمال مبارك في الماضي. لا. لم يحدث. دائما كنت أقول: إن المانع القاطع هو كونه نجل حسني مبارك، وليس لنقص فيه.

من أجل أن أؤيد صدام حسين تعرضت لحملة إغراءات لا مثيل لها، جميع المعنيين بها موجودون. وتعرضت لحملة عداء لا حد لها. وجميع من تولوها سامحهم الله، ويحزنني ما وصلوا إليه، ويحزنني أكثر أنني عندما ألتقيهم يتطلعون في الأرض لا بي. ولم يخطر لي لحظة أن أقابل معمر القذافي، ولا ضعفت أمام تودد رجاله. أكتب ذلك اليوم وأنا أقرأ جورج أورويل «لماذا أكتب». يقول: إنه منذ الحرب الأهلية الإسبانية، اتخذ قراره في الحياة: لن يكتب كلمة في سبيل التوتاليتارية. لا مديح للفظاظة واحتقار البشر.

أفكر بعد مضي نصف عام على الربيع العربي، أين أنا؟ هل أنا حقا موضوعي؟ هل أنا متوازن عندما أرفع راية الحزن على محمد بوعزيزي ثم أشعر أنه من الأفضل عدم محاكمة مبارك ثم أعود فأؤيدها؟ هل أنا إنسان يتغير مع تغير المعطيات؟ هل هذا ما ينتظره منه متابعوه؟ هل ضميري مرتاح حيال أولئك المذهلين الذين يكتبون إلى البريد كأنهم يكتبون إلى أب؟ هل سوف أخذلهم هذا الصباح عندما يقرأون أن الذي بكى محمد بوعزيزي وعربته الزهرية العتيقة، لم ير أي وعد حقيقي في نتائج الثورة حتى الآن؟ الثورة المصرية تصادر حسابات العادلي، والثورة التونسية تصادر سيارات أقارب ليلى طرابلسي، والآلاف في الميادين يهتفون. لمن يهتفون الآن وضد من؟ ما هي الأفكار والأحلام التي يريد الثوار طرحها في الميادين، التي يأتون إليها ويذهبون، منذ نصف عام؟ من هي الوجوه التي يريدون تقديمها إلى شعوبهم وإلى الأمة؟ وحتى إلى العالم.

لا أطمح إلى أن أكون دائما على حق، لكنني آمل أن أكون دائما صادقا.

ولا أستطيع دائما أن أكتب كل ما أريد، لكنني على الأقل لا أكتب ما لا أريد. وأشعر أحيانا بتقصير أو بعقدة ذنب أو بذنوب التغافل، لكن هذا لا يعني أنني أسامح نفسي عليها. فالتغافل أحيانا قريب من شهادة الزور. وحسبي أنني مقتنع في أعماقي بأنني أحمل كتابي بيميني. لم تحسم في مشاعري حرب كالحرب الإسبانية، بل ولدت هكذا، أكره الظلم وأحب الحرية لي وللناس، وأكره التعدي والافتراء والنم وأشكال الخساسة. ودائما أحاسب نفسي، تجنبا للوقوع في حساب لا سماح فيه.