تطبيق العدالة في محكمة الحريري يتطلب دعما دوليا

TT

حمل الشهر الماضي نقاط تحول، وتحديات جديدة في الوقت نفسه، بالنسبة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فقد أصدرت المحكمة، مؤخرا، مذكرة بأسماء أربعة رجال مطلوبين بتهمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، و22 آخرين في عام 2005.

والمشتبه فيهم هم مصطفى أمين بدر الدين، القيادي البارز في حزب الله، بتهمة تفجيرات ثكنات مشاة البحرية الأميركية صفي بيروت في عام 1983، وسليم عياش وأسعد صبرا وحسن عنيسي. وترتب على صدور قرارات الاتهام التي طالما طال انتظارها فرض مدة شهر تلتزم الحكومة اللبنانية خلالها بتنفيذ أوامر الاعتقال، غير أن السلطات اللبنانية أخطرت المحكمة، الأسبوع الماضي، بأنها لا تستطيع إلقاء القبض على الأربعة المطلوبين أو تنفيذ أوامر الاعتقال. وقد تعهد زعيم حزب الله، حسن نصر الله، بالوقوف ضد إلقاء القبض على المشتبه فيهم، وليست هذه المعارضة بتهديد هين.

فقد انهارت الحكومة اللبنانية السابقة، التي ترأسها سعد الحريري، ابن رئيس الوزراء المقتول، في يناير (كانون الثاني) في أعقاب ترك وزراء حزب الله وحلفائهم مناصبهم في الوزارة احتجاجا على دعم الحكومة للمحكمة. تأسست المحكمة الخاصة في عام 2007 من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بناء على طلب رئيس الوزراء اللبناني في ذلك الوقت. وتتولى المحكمة مسؤولية النظر في قضية التفجير الضخمة التي عصفت بلبنان في فبراير (شباط) 2005. وعلى الرغم من أن لبنان ليس بغريب عن العنف المفرط، فإن اغتيال الحريري أشعل جذوة التوتر من جديد بين الفصائل اللبنانية المختلفة، التي كانت تموج تحت السطح بشكل غير ظاهر.

سعى لبنان إلى التعافي بالتحول من العنف السياسي إلى سيادة القانون، من خلال وجود قضاة من لبنان ودول أخرى يعملون بتفويض من الأمم المتحدة. ومدفوعة بإدراكها لمدى خطورة مثل هذا المشروع، وقعت الحكومة على إنشاء محكمة مصدق عليها دوليا، يمكنها أن تتجاوز الشبهات أو الاتهامات بالتحيز الطائفي.

وأشار رئيس المحكمة، القاضي الإيطالي المعروف، أنطونيو كاسيزي، في عمود نشر الشهر الماضي إلى أن حكومة لبنان تأمل في «دعم وتطبيق مبدأ المحاسبة القضائية على هؤلاء الذين انتهكوا قوانين آداب السلوك الإنساني بشكل صارخ»، و«ترسيخ فكرة أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق من دون سيادة القانون والعدالة واحترام حقوق الإنسان الأساسية».

وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تقام فيه محكمة دولية للتعامل مع عمل إرهابي. غير أنه في الوقت الذي تتمتع فيه المحكمة بسمات جديدة، تمثل الاتهامات تحديات مألوفة جدا بالنسبة لنا.

فقد عملنا كرئيسين لهيئات ادعاء في محاكم دولية تأسست منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي. نحن معتادان بشكل أساسي على التحديات التي يفرضها مجرد وجود مثل تلك المحاكم، وعلى القيم التي تكون عرضة لتهديد عند تحقيق نجاحات على مستوى تطبيق العدالة. لقد تابعنا عمل المحكمة والتحديات التي تواجهها عن كثب، وفهمنا أنه في الوقت الحالي - أكثر من أي وقت مضى - ستكون المحكمة بحاجة إلى دعم قوي من المجتمع الدولي.

ولا تملك محاكم دولية، على شاكلة هذه المحكمة، القدرة على القبض على هؤلاء المشتبه فيهم؛ إذ إنها يجب أن تعتمد على الدول المعنية باتخاذ مثل هذا الإجراء. على سبيل المثال، لم تكن محكمة العدل الدولية ليوغوسلافيا السابقة لتتمكن من تطبيق العدالة على الناجين من «التطهير العرقي» والإبادة الجماعية، لو لم تكن الحكومات قد بذلت جهودا موحدة لضمان العثور على المشتبه فيهم وإلقاء القبض عليهم وإحالتهم للمحاكمة.

عمل أحدنا رئيسا لهيئة الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون، المحكمة التي على غرار محكمة لبنان، تجمع بين عناصر وطنية وأخرى دولية. وحينما صدر قرار الاتهام من محكمة سيراليون ضد رئيس ليبيريا وقتها، تشارلز تيلور في عام 2003، توقع البعض أن تقوض تلك الخطوة مفاوضات السلام. غير أنهم كانوا مخطئين؛ فعلى الرغم من أن ذلك لم يكن الهدف الأساسي من تلك فإن اتهام تيلور عزز عملية السلام في ليبيريا التي مزقتها الحرب وحفظ السلام في سيراليون. وفي وقت سابق، كانت إدانة رادوفان كارادزيتش من قبل محاكم يوغوسلافيا السابقة بادرة أساسية لتوقيع اتفاقية دايتون لعام 1995، التي أنهت حالة الحرب في تلك المنطقة من أوروبا. نحن نعلم ماذا تعني مواجهة نزاع طويل الأمد وتحد غير عادي سعيا لإرساء السلام على المستوى الدولي.

نجحنا في القضاء على تلك الخلافات، مع تحقيق نتائج تاريخية، لأن المجتمع الدولي دعمنا، والحكومات احترمت التزاماتها على الرغم من الضغوط المرعبة. ولا تستحق محكمة لبنان الدولية الخاصة أقل من ذلك.

* ديفيد كران، أستاذ بكلية الحقوق بجامعة سيراكيوز، هو رئيس سابق لهيئة الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة لسيراليون، المحكمة الدولية المدعومة من قبل الأمم المتحدة. وكارلا ديل بونتي رئيسة هيئة الادعاء السابقة بالمحكمة الجنائية الدولية بيوغوسلافيا السابقة ورواندا.

* خدمة «واشنطن بوست»