كره الأسد للفلسطينيين!

TT

لعل أبلغ وصف على مجازر نظام الأسد في سوريا بحق الفلسطينيين هو الذي جاء على لسان أحد القادة الفلسطينيين أنفسهم، وهو ممدوح نوفل قائد الثورة الفلسطينية في لبنان، والذي قال: إن ما ارتكب من السوريين من مجازر بحق الفلسطينيين بدعم ومساندة من حركة «أمل» في برج البراجنة وتل الزعتر وغيرهما من مواقع وأماكن وجود الفلسطينيين، والتي سميت لاحقا بحرب المخيمات، كانت أسوأ وأفظع من مجزرة صبرا وشاتيلا التي أقدم عليها أيلي حبيقة وسمير جعجع بدعم كامل من الإسرائيلي أرييل شارون، وأيده في ذلك زعماء فلسطينيون آخرون.

تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع بأسى شديد الهجوم الموتور من قبل الجيش السوري على مخيم الرمل الفلسطيني بمدينة اللاذقية الساحلية والذي أدى إلى قتل الكثيرين وإصابة العشرات وتهجير المئات من سكانه، وكذلك الأمر بالنسبة لمخيم الفلسطينيين في مدينة حمص.

وواقع الأمر أن مسلسل الكراهية الهائل من قبل نظام الأسد بحق الفلسطينيين ليس بجديد أبدا، فهناك شواهد مهمة تؤكد على ذلك، ولعل من أهمها تأسيس المخابرات السورية لفصيل فلسطيني منشق على «فتح» بقيادة سعيد مراغة والملقب بأبو موسى وهو الذي انطلق من سهل البقاع وسُلم له مخيم قوات اليرموك إضافة إلى 60 طنا من الأسلحة عن طريق سوريا وبدأ في عملياته ضد الفصائل الفلسطينية الأخرى يساعده في ذلك فصائل فلسطينية منشقة مدعومة من المخابرات السورية هي بقيادة أبو نضال وأبو صالح وقدري أيضا. وتم رعاية أحمد جبريل ليكون واجهة «للنضال» و«المقاومة» وأعطي جواز سفر سوريا خاصا بعد أن أسقطت منظمة التحرير الفلسطينية علاقتها به واعتبرته خارجا عليها. ونظام الأسد كان يعي ويدرك تماما أنه لن «يستطيع» استعادة الجولان ولن يفتح جبهتها أبدا ولذلك انشغل بتأجيج الجبهة اللبنانية من جهة وحاول تملك سلطة القرار الفلسطيني من جهة أخرى ولكن ياسر عرفات لم يمكنه من ذلك، وبالتالي كان اللجوء دوما إلى تقوية خصوم عرفات والعمل على شق الصف الفلسطيني.

وطبعا كان قمة التآمر على الفلسطينيين هو ما فعله حافظ الأسد مع إدارة رونالد ريغان بموافقتهم على دخول إسرائيل إلى لبنان وإخراج الفلسطينيين كمنظمة التحرير من أراضيها وتوزيعهم إلى تونس واليمن مقابل أن يصفي الأسد معارضيه في مدينة حماه دون اعتراض، وهذا ما تم حرفيا. ولكن منظمة التحرير لم تتزعزع مكانتها في نظر العالم كالممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين وهنا كان بدء الدخول إلى مرحلة «حماس»، تلك الحركة الإسلامية المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين (العدو الأكبر لنظام الأسد) ولكن مصلحة وهدف تمزيق كلمة الفلسطينيين كانت أهم، فتعامل النظام العلماني اللاديني مع حركة أصولية سياسية. وأحدثت قوة حماس المدعومة من سوريا وحلفائها أكبر شرخ في جدار وحدة الصف الفلسطيني (مع عدم إغفال قصور مهول من منظمة التحرير نفسها)، ولعل اللافت أن يطلق اسم «فرع فلسطين» على أخطر وأشد فروع الاستخبارات السورية وأسوئها سمعة في اعتقال وتعذيب كل من يدخلها.

تاريخ العلاقة السيئة بين النظام السوري والفلسطينيين مليء بالأمثلة والنماذج المشينة حتى ولو كان ظاهر المسألة أن الفلسطينيين حاصلون على أفضل معاملة على الأرض في سوريا، إلا أن المساهمة الفعلية في تمزيق الصف الفلسطيني فتتت كلمتهم وزادت من الاقتتال البيني ومكنت إسرائيل من توسيع رقعتها الاستيطانية واستغلال الوضع، ولذلك ليس غريبا أبدا حجم الحقد والغضب الذي شوهد في الأيام القليلة الحزينة الماضية ومخيمات الفلسطينيين تدك من الجيش السوري في نفس وقت دك إسرائيل وقواتها لغزة، فالهدف يبدو واحدا.

[email protected]