عندما يقوم ملا بمحاكاة لويس الرابع عشر

TT

يجب أن يكون علي خامنئي سعيدا في هذه الأيام. لأنه أطلق حملة لمنحه لقب «إمام»، وهو لقب يمنحه الشيعة الإيرانيون للأئمة الاثني عشر من نسل علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء المسلمين.

ويأمل الخامنئي، بمساعدة هذا اللقب، أن يتمكن من وضع نفسه في مرتبة تفوق آيات الله العظمى ليصبح أعلى رجل دين شيعي مرتبة.

سيمكن هذا اللقب خامنئي من ادعاء مساواته بالإمام الغائب، الإمام المهدي الذي سيعود ليحكم العالم.

وكان الرئيس محمود أحمدي نجاد ورفاقه يروجون على مدار العامين السابقين لشائعة تزعم أن المهدي على وشك العودة وأن على المؤمنين أن ينتظروه، قاصدا بصورة ضمنية عدم اتباع تعليمات خامنئي.

وبعدما يصبح خامنئي، الذي لم ينته من تعليمه الديني ولم يعمل كعالم ديني يوما ما، «إماما» سيكون بذلك قد خلق لنفسه رتبة خارج التقليد الديني الشيعي.

ورغم ذلك، فإن عددا قليلا من الإيرانيين سوف يأخذون هذا اللقب على محمل من الجد. فلم يستعد أي رجل دين إيراني، حتى من بين هؤلاء الذين يعملون في المناصب الحكومية، لإضافة هذا اللقب إلى خامنئي.

ففي عددها الصادر يوم الحادي عشر من أغسطس (آب)، تم إجبار صحيفة (كيهان) اليومية على النقل عن مصدرين فقط لقب «الإمام خامنئي». أحد هذين المصدرين حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، يذكر فيها «إنني أقبل يد الإمام خامنئي». أما المقولة الأخرى فهي لأحد قادة الإخوان المسلمين، لم يذكروا اسمه، حيث صرح لجريدة «كيهان» أن «الإمام خامنئي مصدر الإلهام لحركتنا». رغم ذلك فإن الكثير من الإيرانيين يعتبرون نصر الله موظفا لدى الحكومة الإيرانية وليس سلطة إسلامية. أما بالنسبة للإخوان المسلمين، فيعتبرها الإيرانيون مجموعة عسكرية مناهضة للشيعة.

على أية حال، فإن لقب الإمام، لدى العرب، ليس لديه نفس المعنى والرنين في إيران.

يحتاج خامنئي إلى اللقب لاستكمال تدميره للمؤسسات الرئيسية في الجمهورية الإسلامية، شيء لا بد وأنه كان يخطط له منذ سنوات.

بدأ خامنئي في تنفيذ خطته في يونيو (حزيران) 2009 عندما أعلن عن فوز أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية قبل الانتهاء من فرز أصوات الناخبين.

وبهذه الخطوة دمر أيضا سلطة مجلس صيانة الدستور، الهيئة التي تملك سلطة اعتماد نتائج الانتخابات.

وكانت الرسالة واضحة وهي أن خامنئي هو من يقرر من سيكون الرئيس وليس الناخبين. ويعد أحمدي نجاد هو أول رئيس للجمهورية الإسلامية لا يتم انتخابه من قبل الناس وإنما يتم تعيينه من قبل «المرشد الأعلى».

حتى ذلك لم يكن كافيا لخامنئي، حيث قام الربيع الماضي بتدمير ما تبقى من سلطة الرئيس من خلال الاعتراض على قرار أحمدي نجاد بعزل وزير الاستخبارات والأمن. ومرة أخرى كانت الرسالة واضحة وتنص على أن «المرشد الأعلى» هو الذي يقوم بتعيين الوزراء وعزلهم وليس الرئيس.

من الناحية القانونية، ينبغي أن يقر المجلس الإسلامي، البرلمان الإيراني المصطنع، التعيينات الوزارية. بيد أنه في هذه الحالة، تم تجاهل المجلس وعاد الوزير المعزول إلى منصبه دون اجتياز أي خطوات برلمانية.

وفي أوائل هذا الشهر، قام خامنئي بالطرق على المسمار بصورة أشد من خلال قيامه بأمر أحمدي نجاد بتجاهل خطته في إلغاء وزارة البترول وإعادة إحياء شركة النفط الوطنية الإيرانية. حينئذ تم إجبار أحمدي نجاد على تعيين جنرال في الحرس الثوري الإيراني وزيرا للبترول.

بعد ذلك، قام خامنئي بتحويل انتباهه إلى المجلس. وأوضح في بيانات علنية أن على المجلس تنفيذ أوامره. وفي أوائل هذا الشهر، قام علي أردشير لاريجاني، رئيس المجلس بتصوير الوضع الجديد قائلا «إن الواجب المقدس للمجلس هو الطاعة المطلقة لتعليمات المرشد الأعلى».

وتحول المجلس، الذي كان يعد هيئة تشريعية بموجب دستور الجمهورية الإسلامية، إلى هيئة استشارية لمن يلقب نفسه بالإمام.

وذكر علي مطهري، صهر علي أردشير وعضو بالمجلس أن «البرلمان تحول إلى ملحق لمكتب المرشد الأعلى».

انتقل خامنئي بعد ذلك لتدمير مجلس الشورى، وهو هيئة دستورية أخرى، من خلال تعيين لجنة جديدة تقوم بمهامه. كما قام بتدمير السلطة القضائية، التي يفترض أن تكون مستقلة بموجب الدستور.

في البداية قام خامنئي بتعيين صادق لاريجاني، وهو ملا أقل مرتبة وليس لديه خبرة قانونية رئيسا للسلطة القضائية. وقد أعلن رئيس السلطة القضائية الجديد في عدد من المناسبات أن السلطة القضائية قد اتخذت هذا القرار أو ذاك تنفيذا لتعليمات المرشد الأعلى.

وخلال الأسابيع الأخيرة الماضية، كان خامنئي في إحدى حملاته، يتحدث خلال تجمعات شعبية ويستقبل من يود الاستماع إليه. واستخدم هذه المناسبات للتأكيد على نقطة واحدة، وهي أن الجمهورية الإسلامية هي مسرح لرجل واحد لا يكون فيها المرشد الأعلى الأول بين متساوين أكفاء بل تجسيدا للدولة.

وكان خامنئي يردد دون أن يدري مقولة لويس الرابع عشر «أنا الدولة»!

وحتى يتأكد من أنه لا توجد قاعدة دعم شخصي للأفراد الذين يترأسون الهيئات المتعددة في الجمهورية الإسلامية، كان خامنئي يختار أفرادا ولدوا خارج إيران حتى يفتقدوا إلى الشبكة التقليدية التي تتكون من العلاقات الأسرية والقبلية.

وقد ولد رئيس المجلس ورئيس السلطة القضائية في النجف بالعراق. كما ولد هاشمي شاهرودي، ملا تم تعيينه رئيس مجلس التحكيم، في النجف أيضا. ولكن الأمر الأكثر إثارة هو أن الجنرال محمود علي عزيز الجعفري، القائد العام لفيلق الحرس الثوري الإيراني ولد في النجف أيضا.

وبحسب ما ذكره الباحث الإيراني باباك زاماني، فإن أكثر من 600 أجنبي المولد يتقلدون مناصب رئيسية على كافة المستويات في الجمهورية الإسلامية بما فيها مكتب خامنئي.

شهية خامنئي للسلطة المطلقة ليس لها حدود، فأعلن أيضا عن أن أعضاء المجلس الإسلامي المقبل، الذي سيتم انتخابه الربيع المقبل، يجب أن يقوم مكتبه بالموافقة عليهم.

إنه حتى يتدخل في تفاصيل الرحلات الخارجية للمسؤولين. لهذا لا يعلم أحمدي نجاد ما إذا كان سيسمح له بالقيام برحلته السنوية لنيويورك، التي يعشقها نجاد بدرجة كبيرة، بحسب ما ذكرته حاشيته.

كما قام المرشد الأعلى بسحب جوازات سفر رؤساء سابقين مثل هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، ولم يستطيعوا مغادرة البلاد دون إذن من الإمام.

ومن ناحية أخرى فإن هناك ترحيبا باتجاه خامنئي للحصول على السلطة المطلقة. فمصطلحات مثل «الجمهورية» و«البرلمان» محض أكاذيب في نظام يعتمد على ولاية الفقيه أو الحكم المطلق لأحد الملالي. وفي مثل هذا النظام يكون الرئيس والوزراء وأعضاء البرلمان مجرد دمى في يد المرشد الأعلى.

وقد قرر خامنئي توضيح حقيقة النظام متحملا كافة النتائج المترتبة على ذلك. لكنها استراتيجية محفوفة المخاطر لأنها توجه رسالة للإيرانيين مفادها أنه إذا لم تكونوا سعداء بالوضع الراهن للأمور، فإن الخيار الوحيد المتاح هو التخلص من النظام برمته.