هل حزب العدالة والتنمية المصري في طريقه للظهور؟

TT

حملت الصحف خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع عنوانا مثيرا يشير لتصريح خالد الزعفراني، العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين، لوكالة «أسوشييتد برس» بأنه وبعض أقرانه يعكفون على تأسيس «حزب سياسي يتبع نفس برنامج حزب العدالة والتنمية التركي». وأوضح الزعفراني في تصريحاته التي أدلى بها من القاهرة أنهم لن يحاكوا السياسات فحسب، وإنما سيقتبسون الاسم أيضا، نظرا لأنهم وجدوا إلهامهم في الإنجازات التي حققها الحزب.

في أنقرة، أعلن صالح كابوسوز، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، عن «سعادتهم» بالأنباء الواردة عن حزب العدالة والتنمية المصري، معربا عن أمله في «أن ينجح في توفير الرخاء والسعادة للشعب المصري».

وقد بدت تلك الأنباء طيبة بالنسبة لي. إن جماعة الإخوان المسلمين، منبع الإسلام السياسي، تعد مؤسسة محورية ليس لمستقبل مصر فحسب، وإنما كذلك العالم العربي بشكل أوسع. ولا تعد حزبا سياسيا بقدر ما تمثل شبكة من المواطنين العاديين، وبالتالي يمكن لخطها السياسي اتخاذ صور متنوعة. في الماضي، روجت معظم هذه الخطوط السياسية المتنوعة الصادرة عنها لتفسير شديد الاستبدادية للإسلام يخول للدولة حق فرض أي شيء تعتبره «إسلاميا».

إلا أن الاستبداد ليس السبيل الوحيدة لتفهم الإسلام، وجرى بذل جهود داخل الإخوان المسلمين لصياغة رؤية جديدة تتوافق مع مبادئ الديمقراطية الليبرالية. يذكر أن حزب الوسط تأسس عام 1996 كمجموعة منشقة عن الإخوان المسلمين، وشكل نموذجا جيدا على هذا الصعيد، لكن نفوذه كان محدودا - وتعرض أعضاؤه بالطبع إلى إجراءات قمعية من جانب نظام حسني مبارك الاستبدادي. ويبدو أن جهود الزعفراني هي مجرد خطوة أخرى نحو التوجه الذي اتخذه الوسط، إضافة إلى كونه مؤشرا على أن تغييرا يطرأ على وجهة نظر التيار الرئيسي داخل الإخوان المسلمين.

إذا بدت هذه الفكرة غير مقنعة بالنسبة لك، عليك إمعان النظر في التأثير الذي خلفه حزب العدالة والتنمية التركي على فرع آخر من الإخوان المسلمين، وهو الجناح القائم في سوريا، وهي بلاد تعاني التعذيب هذه الأيام تحت وطأة نظام بشار الأسد الديكتاتوري المتعطش للدماء ويكشف تقرير رائع وضعه الصحافي البولندي المقيم في أنقرة بيوتر زالوسكي نشر في دورية «فورين بوليسي» في 11 أغسطس (آب) هذا الأمر الذي لا يعرفه الكثيرون. تحت عنوان «التطور الإسلامي: كيف علمت تركيا الإخوان المسلمين في سوريا التوفيق بين الإيمان والديمقراطية»، يشرح زالوسكي كيف أن الحياة في تركيا وتأثير حزب العدالة والتنمية ساعدا في تأسيس جيل أصغر داخل جماعة الإخوان المسلمين السورية ذات الطابع المسلح سابقا، وهو جيل يتفق مع وجهة النظر القائلة بأن الإسلام يمكن طرحه فقط، وليس فرضه، وأن «الأفراد يجب أن يتمتعوا بالحرية الكاملة في اختيار ما يشاءون».

وأضاف: «في الوقت الذي يخشى الكثيرون في أوروبا والولايات المتحدة من أن يكون حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا قد شكل نفوذا إسلاميا خطيرا على الموقف العلماني الموالي للغرب التقليدي للبلاد، فإن الجماعات الدينية التي تناضل لإسقاط أنظمة استبدادية جامدة عبر العالم العربي استلهمت درسا مختلفا من نجاح الحزب. وينطبق هذا القول بصورة خاصة على سوريا، حيث اكتسبت الحملة الصارمة التي يشنها بشار الأسد ضد انتفاضة داخلية طابعا وحشيا متزايدا خلال شهر رمضان، بينما تطلع النشطاء المتدينون نحو تركيا كنموذج للتوفيق بين إيمانهم والآمال الديمقراطية للربيع العربي».

بطبيعة الحال هذا لن يكون ممكنا لو ظلت تركيا على الصورة التي كانت عليها في الماضي؛ نظام غير ديمقراطي متحمس للعلمانية ومتمسك بقوميته بجنون، تجاوز حتى أكثر تفسيرات الإسلام اعتدالا ونظر لجميع جيرانه كأعداء. مع تحول تركيا تدريجيا نحو مزيد من الديمقراطية والانفتاح والسلام مع هويتها، من الواضح أن قيمتها زادت في أعين الدول المسلمة من حولها.

لذا، إذا سارت الأمور على ما يرام - وأقصد أمور حزب العدالة والتنمية بالطبع، وليس الجنرالات الذين حظروا الحجاب - يمكن للتجربة التركية التحول لمنارة للديمقراطية في العالم العربي. هناك بالفعل حزب «عدالة وتنمية» في المغرب، والواضح أن هناك آخر سينشأ في مصر، وحال انهيار الجمهورية الآثمة في دمشق، ربما سيظهر ثالث في سوريا. فقط أدعو لهم بالتوفيق.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية