طبيعة التدخلات الأجنبية وأهدافها

TT

لم يعد من الممكن في عالم اليوم عزل أي تطورات محلية عن محيطها الإقليمي والدولي، بحكم جملة التشابكات المصلحية القائمة، وبفعل الحساسيات التي تتركها التطورات المحلية على محيط يوصف بأنه «قرية صغيرة»، بل ربما كان غرفة في شقة واحدة لكنها كبيرة وواسعة بعض الشيء.

لقد وفر التواصل ووسائل الاتصال أوسع الفرص لمعرفة أدق التفاصيل لما يحدث في المدن والقرى، ونقل الأحداث وقت حدوثها بالصوت والصورة، مما جعل فكرة التدخل الخارجي فيما يجري لرسم نتائج مناسبة، أو للتأثير في تلك النتائج، أمرا ممكنا ومطلوبا في بعض الأحيان من جانب طرف أو أطراف. غير أنه، قبل التوقف عند التدخلات الخارجية، لا بد من ملاحظة دوافعها، التي يمكن أن تتوزع في اتجاهين، اتجاه يتصل بالمخاوف، وآخر يتصل بالمصالح، سواء كانت قريبة أو بعيدة. إن فكرة التدخل الناتجة عن المخاوف، غالبا ما تستند إلى واقع التجاور الحدودي، حيث يكون للتجاور تأثيرات سياسية واقتصادية أو أمنية، كما هو حال وجود الأكراد على امتداد حدود سوريا مع تركيا، أو بسبب مصالح تتصل بالثروات الباطنية أو المياه الجارية، وكلها يمكن أن تتأثر في حال حصول تطورات محلية عاصفة في واحد من بلدان متجاورة، بل إن فكرة التدخل الناتجة عن المخاوف قد تكون أبعد من الجوار المباشر، كما هو حال مخاوف الجوار الأوروبي للفضاء المتوسطي من الهجرة والتطرف الديني اللذين يمكن أن يصيبا الدول الأوروبية، نتيجة أحداث تصيب دولا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ستؤدي إلى تدفق موجات من المهاجرين إلى أوروبا، كما حدث بالنسبة لتونس مؤخرا.

أما التدخلات بسبب المصالح، فإنها لا تفترض الجوار المباشر وربما الجوار البعيد، وهي غالبا تتصل بالدول الكبرى، التي لها مصالح من طبيعة استراتيجية، وإن كانت لا تقتصر عليها، حيث لبعض الدول الصغرى في مناطق إقليمية معينة مصالح تدفعها للتدخل في بلدان أخرى، وإن كان ذلك قليل الحدوث، أو هو مقترن بشروط محددة.

إن المصالح في هذا الجانب من التدخلات، يمكن أن تستند إلى أسباب سياسية تقوم على تقاربات أو تحالفات على نحو ما كانت التدخلات السوفياتية - الأميركية، وقد تكون لأسباب اقتصادية تتعلق بالثروات والأسواق والاستثمارات، كما في التدخلات المتصلة بالبلدان العربية النفطية، وقد تتصل الأسباب بدواع استراتيجية – أمنية، على نحو ما كان يتم تصنيف التدخلات في بلدان الشرق الأوسط في الربع الأخير من القرن الماضي.

وبطبيعة الحال، فإن التدخلات يمكن أن تكون تدخلات مباشرة وأخرى غير مباشرة، وقد تكون بطبيعتها تدخلات عنيفة أو تدخلات لا تستخدم القوة، وإنما الضغوط والعقوبات، وقد طرأت تحولات على الأخيرة، فصار في عدادها «عقوبات ذكية»، الهدف منها توجيه تلك العقوبات نحو السلطات الحاكمة أو بعضها، بدل أن تكون عقوبات عامة تصيب الشعب كله، وذلك بعد عدة تجارب، ثبت في خلالها أن عقوبات اتخذت ضد سياسات نظام ما، تركت تأثيراتها السلبية على الشعب، كما حدث في العقوبات التي فرضت على النظام العراقي السابق بعد عام 1990. وعلى الرغم من أن التدخلات إنما هي تعبير عن مواقف الجهات المتدخلة، سواء كانت دولا أو هيئات دولية وإقليمية، فإنها لا يمكن أن تتم دون عوامل دفع، وهذه العوامل في أغلبها تكون خارجية، لكنها قد تكون عوامل داخلية ناتجة عن سياسات تقوم بها سلطات البلد الذي يصير في دائرة استهداف التدخلات الخارجية.

إن الهدف الرئيسي للتدخلات الخارجية، يكمن في إحداث تبدلات جوهرية في بنية السلطة في البلد موضوع التدخل، أو في إحداث تبدلات في مواقف وسياسات تلك السلطة، بعد أن وصلت الجهود الأولية، ولا سيما الدبلوماسية، لتحقيق الهدف إلى طريق مسدود، وأكدت سلطات ذلك البلد إصرارها على الحفاظ على طبيعتها، والمضي في مسارات لا تحيد عنها. وبخلاف الهدف العام للتدخلات الخارجية، الذي يصل إلى حد تغيير النظام على نحو ما حدث في العراق عام 2003، وما يحدث في ليبيا حاليا من خلال عمليات حلف الناتو، فإن ثمة هدفا للتدخلات، أساسه التأثير على بعض السياسات والمواقف، وهو الشكل الأكثر شيوعا وحضورا في السياسة الدولية، وفي الشرق الأوسط بصورة خاصة.

وإذا كانت سوريا اليوم أصبحت في دائرة التدخلات الدولية المتعددة الأبعاد، من خلال فرض عقوبات واتخاذ إجراءات ضد شخصيات ومؤسسات رسمية، وصولا إلى مطالبة الرئيس بالتنحي، فإنه لا يمكن فصل ذلك عن السياسة الرسمية ذات الطابع الأمني - العسكري في الرد على الحراك الشعبي، بدل المعالجة السياسية للأزمة الحالية باعتبارها أزمة سياسية - اقتصادية واجتماعية وثقافية، الأمر الذي عقد الأمر في الداخل، ونقل الأزمة من بعد داخلي إلى بعد داخلي - خارجي، ممهدا لتصعيد وتعدد مستويات التدخلات الخارجية.

لقد كان من الخطأ الفاحش اعتماد الحل الأمني - العسكري في أزمة سورية داخلية، ثم صار الخطأ مضاعفا في الإصرار عليه، حيث أوصل سوريا إلى ما هي عليه، نتيجة أن سوريين طالبوا بالحرية والكرامة وبتغيير أنماط حياتهم وخياراتهم، وتحول بلدهم إلى دولة ديمقراطية تعددية تحترم القانون، توفر العدالة والمساواة والمشاركة لجميع مواطنيها على قدم المساواة.

* كاتب سوري معارض