الدور المنسي

TT

لاحظت، خلال مشاهدتي على المسرح الوطني في لندن، مسرحية «الإمبراطور والجليلي» للمؤلف النرويجي إبسن، أن دور الإمبراطور العجوز المقعد قام به شخص أجاد هذا الدور الصعب خير إجادة. وعند نهاية المسرحية وحضور الممثلين أمامنا لنحييهم بتصفيقنا، كان بينهم واحد مقعد فعلا من دون رجلين، دفعوا به على كرسي عجلة، كرسي المقعدين. انحنى برأسه قليلا ليحيينا فلمحت عليه تقاسيم وجه عربي. فتحت برنامج الحفلة فوجدت فيه هذه الخلاصة عنه.

إنه مواطن أردني، نبيل شعبان، أصيب في طفولته بهشاشة العظام فجيء به لبريطانيا للمعالجة التي استمرت لسنين طويلة. استطاع خلال مرضه اقتحام المسرح البريطاني فأسس فرقة للمقعدين. وقام بسلسلة طويلة من الأدوار الرئيسية في شتى المسرحيات الشهيرة والأفلام السينمائية. وكأي عربي لم يمتلك غير أن يزج بنفسه في الأمور السياسية، فقدم مسرحية عن فلسطين وأخرى عن غاندي وقام بدور الخميني وشتى الأدوار السياسية الشهيرة. نال عدة جوائز وحصل على بكالوريوس في علم النفس ثم منحته جامعة ساري دكتوراه فخرية على مؤلفاته ومساهماته الفنية والأدبية، وكلها وهو مقعد ومن دون أطراف.

خطر لي، وأنا أقرأ سيرة حياته، كم من العرب والمسلمين قد أسهموا وقدموا خدماتهم للمجتمع البريطاني دون أن نسمع عنهم! نسمع في صحفهم بالحروف الكبيرة عن أي عربي أو مسلم يسرق شيئا من دكان أو يعتدي على أحد. غامر رجل بحياته في أميركا في إنقاذ طفلة من أنياب كلب مسعور. نشروا خبره بعنوان «شاب أميركي شجاع ينقذ طفلة من كلب مسعور». ولكن اتضح أن من قام بذلك كان سائحا فلسطينيا. بادروا لتصحيح الخبر: «إرهابي مسلم يقتل كلبا أميركيا». حالما وقعت المجزرة الأخيرة في النرويج أشارت الصحف الغربية إلى إرهابيين مسلمين يقتلون أطفالا في النرويج. ولدى اكتشاف الفاعل الحقيقي، تغيرت النغمة إلى قصة شاب يعاني الوحدة والكآبة يقترف فعلا مؤسفا. لم يُشِر أحد إلى أن اكتشاف النفط وتنظيم استثماراته في النرويج يعودان كلهما لمهندس نفط عراقي. ويقال إنه إذا قرر الأطباء العراقيون في بريطانيا العودة لخدمة شعبهم فسيجد الشعب البريطاني نفسه من دون خدمات طبية. فلا يوجد مستشفى هنا من دون عدد من الأطباء والممرضين العراقيين. سبق أن عالجني ثلاثة منهم.

اتصلت بي إحدى المنظمات العربية، مؤخرا، لتأليف كتاب عن الأدوار المهمة التي يقوم بها في خدمة المجتمع البريطاني علماء وأطباء وأساتذة وأدباء وفنانون وموسيقيون عرب. هذه رسالة مهمة اعتذرت عن عدم القيام بها لما تتطلبه من تفرغ وتكاليف. لكنني أعتقد أن من المهم لمنظمات، كالجامعة العربية أو المؤسسات الخيرية والجامعية، أن تتبناها ليدرك الغربيون مدى الدور الذي نقوم به في توفير الرفاه لشعوبهم وإغناء حضارتهم بمساهماتنا ويكفوا عن كل هذا اللغو في التنديد بنا وفي مخاطر لجوئنا والمبالغة في تصويرنا كعناصر إرهاب وتخريب واستنزاف وتخلف.