أسباب الاختلال

TT

ماذا نرى حولنا، في الدائرة الضيقة والدائرة الأوسع؟ سقوط اليونان، ديون أميركا، بطالة إسبانيا، عنف سوريا، محاكمات مصر، تفجر العراق، حرب ليبيا، إلى آخره.. نرى ظاهرتين عميقتين، لعلهما السبب الأساسي في هذا الاختلال المريع على مدى الكرة، الأولى: غياب العدالة، كما هو الحال في الدول النامية، بسبب غياب القانون. والثانية: غياب الوسطية أو التورع في العالم الصناعي، بحيث تحولت نوعية الحياة إلى مظاهر لا يستطيع أي مجتمع القيام بها.

سخر الجميع من كارثة «المناخ» في سوق الكويت في الثمانينات، عندما جنت الأرقام وصارت أصفارا مغلفة بأرقام أخرى. لكن في عام 1987 تحول العالم أجمع إلى «مناخ» آخر على الرغم من السنين التي مضت على تقاليد البورصة. والآن يهتز الاقتصاد العالمي برمته؛ لأن الدول والمجتمعات تحولت إلى مجموعة مقامرين ومجانين، ولأن رواتب الكبار ومصاريف الصغار قد تعدت المعقول والمقبول، بينما يزداد الفرق بين فقراء العالم وأثريائه. والذين أحرقوا ضواحي لندن لم يكونوا ثوارا ولا أصحاب قضايا، بل هم بطالون بلا فرص، وغالبا بلا مؤهلات، تحولوا إلى العنف والنهب، كاعتراض على ما وصل إليه أغنياء المدينة من مظاهر، وما زالوا يرتعون فيها. تخطت المجتمعات الجديدة حدود الوسطية في الحياة وفي السلوك. وفقدت هذه المجتمعات الآداب والتقاليد والقيم التي كانت تنظمها. وصار الغرب مجتمع بورصة ومضاربين يبلغون الثروات وهم في مقتبل العمر. وكدس هؤلاء، وهم خلف مكاتبهم، ثروات سريعة، راحوا يصرفونها في كل اتجاه، بينما جيل آبائهم لا يملك سوى تقاعده الرسمي.

وتجاوزت دول العالم الثالث الوسطية في القانون وفي الحياة. واكتفى الحاكم بالاستبداد، دون الالتفات إلى العدالة. ولم يعد يكتفي بأن يكون هو الرئيس مدى الحياة، بل صار ذلك من حق أبنائه أيضا. وكذلك المال والثروة والنفوذ والوجاهة، بينما لم يبق من حق للمعترضين سوى السجون والهجرة والعزل والاضطهاد والتحقير والتخوين. حملت الموازين أكثر بكثير مما يمكن أن تحمل؛ فالعدالة ليست منة ولا ترفا، وبدلا من أن تعطى تلقائيا أصبحت مطلبا يهز العالم، وصار الذي يلاحَق هو القاضي، لا المجرم ولا المتهم. رسمت صورة العدالة دوما على أنها ميزان وليس على أنها تفوق أو أرجحية أو محسوبية. والوسطية هي ميزان الأمم. لكن الغرب فقد كل وسطية مالية، والشرق ظل بعيدا عن كل عدالة اجتماعية.. لقد تضاعف سعر العقار في بعض الأحياء المتوسطة خلال 30 عاما، عشرات المرات، فكم تضاعف منسوب الدخل والرواتب؟ صحيح أن هذه طبيعة السوق والربح والخسارة، لكن الربح كان دائما مرفقا بواجب المشاركة. كمثل ما فعل بيل غيتس بنصف ثروته بمنحها للفقراء، في حين تحول فاسدو الشرق إلى بيل غيتس من أموال فقرائهم.