عندما يكون له عمر النحلة

TT

كل شيء حولنا ضاحك، أو في نيته حركة عبارة عن زغزغة تؤدي إلى انفجار كل الموجودين في الضحك والصراخ.. وإلى أن تتطاير البالونات في الهواء، وتهتز الأكواب، وتنطلق أمواج من الدخان!

طبعا هذه مناسبة جميلة وسعيدة وكلنا لم نلتق منذ وقت طويل.. صحافيين وفنانين وإذاعيين وتلفزيونيين - طويلة هذه الكلمة - ورجال سينما ومسرح.. ولم يكن هناك شيء أقل من القبلات.. كأن هذه المناسبة تبدأ بأن يتعانق عقربا الساعات والدقائق، ثم لا ينفصلان حتى مطلع النهار. أو كأن هذه القبلات هي «تحويشة» السنة الماضية والقادمة أيضا.. فبعد هذه الحفلة لا يلتقي الناس.. ويمضي كل واحد في حاله.

ولم يكن الناس في حاجة إلى أن يعاتب بعضهم بعضا.. أين كان.. ولماذا اختفى كل هذه المدة.. ولماذا لم يتصل به، مع أن قريبا له مات، أو زوجة له دخلت المستشفى، أو أنه أصبح في درجة أعلى.. لا شيء من هذا كله.. فالناس يعرفون أنفسهم ويعرفون مشاغل الحياة ومتاعبها!!

وإلى جواري جلس صديق قديم: كيف حالك؟.. صحتك أحسن.. المرة الماضية كنت متعبا.. سألنا عنك زميلك في الإذاعة.. وكيف حاله هو أيضا؟!

ومال على كتفي ورائحته صارخة في أنفي، ملتهبة في عينيه: تعرف يا فلان.. أنا كنت مثلك لا أؤمن بالحب.. ولا أؤمن بأن هذه العلاقة لها أي معنى.. لكن حديث الحب.. الحب شيء تاني.. أنت تعرف لماذا أحببتها.. إنني أحببتها لسبب أناني جدا.. طبعا أنا أناني.. وأنت أناني.. وكل الناس أنانيون.. أنا أحببتها لكي تحبني هي أكثر.. أنا أحببتها لمصلحتي.. لكي تعجب بي.. لكي تكتشف كل يوم شيئا جديدا في نفسي.. فكأنني أحببت أحد رواد الفضاء.. أحد الغواصين في أعماق النفس البشرية.

ثم راح يضحك، وأمسكت يده حتى لا تبتل ملابسه وملابسي أنا أيضا، وقال: أنا أحببت غواصا أو رائدا بشرط أن يجد شيئا جديدا.. أن يدلني على شيء لا أعرفه في نفسي.. ثم لكي يحبني دائما.. طبعا لا بد أن يحبني.. أنا حياتي كانت من غير حب.. وهذا الحب هو الشيء الضروري.. اسمع.. أنا قرأت لك المقال الذي كتبته عن عسل النحل.. حلو قوي.. مش كلامك.. العسل.. هاها.

ثم عاد ليختم كلامه قائلا: أنت في مقالك قلت إن النحلة العادية إذا أكلت «الغذاء الملكي»، أو الطعام المخصص لملكة النحل، فإن عمرها يطول من شهر إلى سبعين شهرا.. مش كده ولاّ إيه؟!