حوار مع رجل (يزيدي)

TT

جمعتني الصدف مع رجل عراقي محترم ينتمي إلى طائفة (اليزيدية)، وأنا شخصيا ليست لدي أي مشكلة أو حساسية من هذه الناحية، مقتديا بقوله سبحانه وتعالى: (لكم دينكم ولي دين).

كان الرجل مؤدبا أكثر مني، ومثقفا أكثر مني، وكريما أكثر مني، لأنه هو الذي دفع حساب المقهى الذي تجرعت فيه ثلاث كؤوس طافحات من الشاي الأحمر، ولولا قليل من الحياء لطلبت الكأس الرابعة.

قال لي دون أن أسأله: للأسف البعض يعتقدون أننا من عبدة الشيطان وهذا غير صحيح على الإطلاق.

فقلت له مجاملا لكي أخفف من غلوائه: حتى لو كان ذلك، فأنتم أحرار فيما تعتقدونه.

فقاطعني محتجا: أبدا أبدا نحن قوم مسالمون، والشيطان كائن مشاكس ونحن نطلق عليه اسم (أهريمن)، كما أننا نحاول بشتى الوسائل أن نتجنبه لنتبع (أهريمزد) المتجسد فيه الخير والصلاح والمحبة.

هل تعلم أننا نعتقد بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، وكذلك بإبراهيم، وأننا نختن أبناءنا، ولو أنك أردت أن تتأكد من ذلك لكشفت لك عن عورتي، ولكنني أستحي أن أفعل ذلك، قال ذلك بعد أن وقف على طوله.

فأسرعت قائلا له: اجلس، اجلس الله يرضى عليك فإنني مصدقك دون أن تفعل الكارثة تلك.

بعدها سألته: من أين أتت لكم هذه التسمية (اليزيدية)؟!

قال: إنها مشتقة من الفارسية أو الكردية (يزدان) التي تعني الله، وهناك من يظن أنها مشتقة من (يزد) وهي بلدة في إيران، وفريق آخر يؤكد أننا ننتسب إلى (يزيد بن أنيسة الخارجي).

حاولت أن أغير الموضوع وأخرجه من هذا الحوار الذي لا يهمني بأي شكل من الأشكال، فأشرت لفتاة جميلة كانت تعبر أمامنا بالصدفة على الرصيف قائلا: ما رأيك بهذه الكتكوتة التي تسير كما تسير الأوزّة؟! فرد علي بأدب: الله يستر عليها، ثم واصل كلامه قائلا: هل تعلم أننا نصوم في كل شهر ثلاثة أيام متواصلة مقتدين بالآية الكريمة: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)؟!

سألته: وهل لديكم كتاب ترتلونه؟ وقبل أن يجيبني نادى على (الغرسون) وطلب منه إحضار ورقة - ووقفت متحسرا مالي ومال اليزيديّة؟! - وكتب عليها الكلام التالي قبل أن يناولها لي، وجاء فيها:

«آمين آمين. الله تبارك الدين الأولين الابنين الخادمين يا الله يا دائم يا غفور يا موجود يا فتح يا رزاق الرزق يا مدبر الكون يا ساتر يا آمدين يا شمس الدين يا فخر الدين يا سجادين يا عزرائيل يا جبرائيل يا سمنمائيل ميكائيل يا دردائيل يا إسرافيل يا ربي أنت تبارك الدين يا ربي علا شأنك علا مكانك علا سلطانك علت عظمتك أدعي وأسجد. ما لنا غيرك يا قايم ابن قوم ترحم ترحمني أنت كريمي أنت دوايمي أنت موجود أنت معبود أنت خداي نوري نور الله».

وبعد أن انتهى من كتابته قال لي: إن هذا الدعاء نتلوه كل صباح من أيام الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.

سألته: هل صحيح أنكم تعتقدون بتناسخ الأرواح؟!

قال: نعم، وروحي التي تتقمصني الآن، من المحتمل أنها تنقلت وسوف تتنقل إلى آلاف الأشخاص غيري من هنا إلى يوم الدين، فالروح لا تموت ولا تبلى.

وما إن وصل حديثنا إلى هذا الحد حتى نظرت إلى ساعتي مستأذنا منه للحاق موعد حبيب على قلبي، ولكنني للأسف وصلت متأخرا بعدّة دقائق، وأخذت أضرب كفا بكف بعد أن طارت الطيور بأرزاقها.

ووقفت متحسرا أقول: مالي ومال اليزيديّة؟!

[email protected]