المحرضون إخوان الشياطين

TT

أربع سنوات سجن لشخصين، هو الحكم الذي أصدرته محكمة بريطانية تنظر في أعمال العنف التي شهدتها البلاد مؤخرا، أما التهمة فكانت «التحريض على الاضطرابات». لكن ما سبب هذا الحكم القاسي؟ المتهم الأول دعا إلى تجمع على صفحة في «فيس بوك» أطلق عليها «تدمير بلدة نوثويتش»، لكنه ذهب وحده إلى ذلك المكان فاعتقلته الشرطة على الفور. أما الثاني فقد فتح صفحة أخرى تحت عنوان «تنظيم أعمال الشغب»، في الحي الذي يسكنه، قبل إلغائها في اليوم التالي مع الاعتذار.

أشد وصف أطلق على هذه الأحكام أنها كانت قاسية، وهو التعبير الذي استخدمته الصحافة وعدد من أعضاء البرلمان ومسؤولو المنظمات الحقوقية، لكن هل رأينا من اعتبرها «متجنية» أو «غير موضوعية»، أو وصفها بـ«الألعوبة»؟ أبدا.. فالتحريض هنا يعد جريمة لا يتم التهاون معها إطلاقا، أما في بلادنا فحرض كما تشاء، واعبث «إلكترونيا» كما تشاء، فكل هذا يعتبر «حرية رأي» لا تُمس، والويل والثبور لكل من يخالف هذا الرأي، فلا حرية لرأيه أبدا.

ليس من المبالغة القول إن ما نشهده في منطقتنا، إلكترونيا، على النقيض تماما من أي حرية مزعومة؛ فالفوضى تعصف بالشبكات الاجتماعية دون حسيب أو رقيب. في الكويت هناك من يحرض علانية على قلب نظام الحكم في البحرين، في البحرين يدعون لقلب نظام الحكم في السعودية، في السعودية نجد التحريض درجات؛ أدناها أولئك الذين يحذرون من كاميرات النظام المروري «ساهر»، وأعلاها أولئك المناصرون، علنا، لخلية تُحاكَم بتهمة التخطيط للوصول للحكم. وفي نهاية اليوم، كل هؤلاء المحرضين، الذين يمارسون فعلهم غير القانوني بأسمائهم الحقيقية، يبيتون في منازلهم وبين أسرهم دون أن يمسهم أحد، وفي صباح اليوم التالي يواصلون التحريض ذاته، ويصرخون عاليا: حريتنا مسلوبة!

هؤلاء يفعلون كما يفعل من يجتزئ الآية الكريمة: «لا تقربوا الصلاة»، فهم ينافحون عن حرية الرأي، لكنهم لا يعترفون بأنها حرية رأي مسؤولة. فتجدهم يتبارون في استفزاز حكوماتهم. يغردون إثما وعدوانا عبر «تويتر»، فيغض النظر عنهم، يتجهون نحو الـ«فيس بوك» ويرفعون عقيرة تحريضهم، فيغيظهم عدم الالتفات لهم، يواصلون خربشاتهم عبر المنتديات الإلكترونية، وحينما يجدون التجاهل مستمرا، يبحثون عن الشهرة عبر تسجيل ركيك في الـ«يوتيوب» يتضمن مساسا بأمن دولهم. لا يتركون طريقا للاستفزاز والتحريض لا يسلكونه، وإذا ووجه هذا التحريض بالمساءلة القانونية، عادوا وصاحوا من جديد: سُلبت حريتنا!

لا يمكن ترك الحبل على الغارب دون تنظيم يشفع لوسائل التواصل الاجتماعي بأن تبقى تحت إطار حرية الرأي المسؤولة، فها هو ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، يلقي باللوم على الـ«فيس بوك» و«تويتر» في أعمال العنف الأخيرة، قائلا: «حرية تدفق المعلومات يمكن أن تكون أحيانا مشكلة»، مضيفا: «يمكن أن تُستخدم حرية تدفق المعلومات في الخير، ولكن يمكن أيضا استخدامها من قبل المختلين من أجل العنف».

العمل الذي يقوم به المحرض هو قريب من عمل الشيطان في الوسوسة للقيام بالعمل السيئ، بينما الشيطان يتفرج ولا يقوم بالعمل ذاته، وبما أننا في رمضان والشياطين تصفد في هذا الشهر الفضيل، فإن إخوان الشياطين، وأعني المحرضين، يمارسون تحريضهم دون حسيب أو رقيب، تحت غطاء كلمة حق أريد بها باطل، فبئسا لها من حرية رأي إذا كانت على هذه الشاكلة.