السعادة: راحة البال!

TT

جلست إلى جواري فتاة صغيرة.. حلوة.. جميلة.. ملامحها صغيرة.. شعرها ناعم.. يبدو من بعيد ناعما.. ومشدودا إلى الخلف.. وعيناها ثابتتان.. ولماذا تهتزان.. وكل شيء فيها مشدود كالعصا.. وثابت كالمسمار.. ولامع حاد كالسكاكين والشوك؟!.. قلت لها: ماذا تتمنين؟

قالت: ولا حاجة.

طبعا ولا حاجة.. وماذا ينقصها؟!.. شباب وجمال.. وغنية ومخطوبة من شاب غني أيضا.. وكل أيامها جديد في جديد.

قلت لها: ولا حتى راحة البال.. قالت وهي لا تفهم معنى راحة البال: كويس كده!.. إنها مبسوطة.

إنها صغيرة لا تعرف معنى راحة البال.. لا تعرف القلق.. ولا تعرف الخوف.. صغيرة لم تمش في شوارع الحياة.. لم تقف في مفارق الطرق الاجتماعية والعقلية والنفسية.. لا تعرف أن السعادة في راحة البال.. هي الاطمئنان إلى أن كل شيء سيجيء في وقته وبالشكل الذي تريده.. إنها هي راحة البال.. العين في مكانها.. والأذن في مكانها.. ولكن عندما تكبر ستصبح عينها في أذنها وستصبح أذنها في عقلها.. ستتلخبط.. ستجد الدنيا شيئا آخر.. ستعرف أن العقل لا قيمة له.. والقلب ضوضاء بلا معنى.. وستعرف أن هناك في الدنيا شيئا اسمه الكذب.. واسمه الإخلاص في الكذب.. وشيئا اسمه الحب.. وشيئا قريبا من الحب اسمه الرغبة في الحب أو الرغبة في الامتلاك.

وقلت لها: ولا حتى الصحة؟!

ولم تكن في حاجة إلى أن تجيب.. إن كل شيء فيها صحيح.. سليم.. ما حاجة بشرتها الوردية إلى الصحة.. ما حاجة بياض عينيها الصافي إلى الصحة.. ما حاجة أسنانها البيضاء إلى الكالسيوم.. ما حاجة السبعة عشر عاما إلى الهواء؟!

وعدت أقول لها: ولا حتى الحب؟! فأشارت إلى إصبعها.. إلى الخاتم الذي رأيته من اللحظة الأولى.. إنها صغيرة.. إنها لا تعرف أن الخاتم لا يدل على الحب.. ولا الحب يدل عليه الخاتم.. وأن الخاتم يشغل هذا المكان من الإصبع.. ولكن الحب يشغل كل شيء ولا يبدو كالخاتم.. ولا لامعا كالخاتم.. ولا خانقا كالخاتم!