الأسود من سبتمبر!

TT

وسقط نظام معمر القذافي، سقط نظام قمعي موتور، لم يهنأ شعبه فيه بالأمان ولا بالكرامة، بل، وكما يصف لي صديق ليبي، إنه كان يخجل حين يسأل عن جنسيته بالإقرار بأنه ليبي لما يتبع ذلك من تعليقات ساخرة بحق بلاده، إلا أنه اليوم لأول مرة يعيش حالة فخر واعتزاز بسبب إنجاز عظيم للثوار الأحرار في بلاده وخلاصهم من حكم أعتى طغاة العصر معمر القذافي الذي كان سيكمل 42 عاما من الحكم في أول سبتمبر (أيلول) القادم وذلك في ذكرى سوداء حلت على ليبيا وأتت به للحكم. ولا أدري على من يقع اللوم في الإتيان به إلى سدة الحكم وتحويله إلى حاكم غير سوي؟

هل هي دعوة استجيب لها في ساعة إجابة عندما كان أنصار القذافي يثيرون على الملك الصالح «إدريس» ويقولون إبليس ولا إدريس فتحقق لهم ما أرادوا وجاء لحكمهم أحد نماذج الشر بامتياز، أم أنها لعنة جمال عبد الناصر حين قال له إنني أرى فيك شبابي وأعتبرك أمين القومية العربية ولم يفطن إليه ويكشف حقيقته إلا الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي كان ينعته بـ«الواد المجنون بتاع ليبيا»؟ وهذا يجرنا إلى إحدى أسوأ خطايا الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي ارتمى في أحضان معمر القذافي وقبل أن «تشتري» الحكومة المصرية منه، وأهان الإعلام المصري والعمالة المصرية دون رادع أبدا.

رجل أباد ثروات بلاده النفطية المهولة في مشاريع شخصية له ولأسرته وظلت بلاده في أوحال التخلف والظلام، دخل في مغامرات سياسية حمقاء كل الهدف منها إبراز «الأنا» المدمرة التي لديه وبات البحث عن مسيرة القذافي لا يتطلب عالِم سياسة ولا اجتماع ولا اقتصاد بل طبيبا نفسانيا لما لدى الرجل من شخصية نرجسية شيطانية، كان كارها للدين شاكا فيه، اخترع تقويما إسلاميا جديدا وعاث في تفاسير القرآن وحاول أن يكون له بصمة في الفكر السياسي باستحداث نظرية الحكم الجماهيري الذي تحول إلى كوميديا صارخة ومسرح هزلي، وجرب الرواية والشعر كل ذلك في مسعى مستمر لإثبات وجوده على الساحة الدولية وتحقيق إنجاز لنفسه في أكبر عقدة نقص معاصرة، وسجله الأسود في الإرهاب من عمليات اغتيال واعتقال وتعذيب مرعب ومخيف لم تسلم منه أي دولة في العالم العربي حتى دخل على الدول الأوروبية والآسيوية وأميركا وطبعا أفريقيا.

الأسود من سبتمبر كما سيعرف لاحقا هو تاريخ معيب في عمر البشرية ولا أقول في عمر ليبيا، الكل مسؤول عن «قبول» هذا المجنون كحاكم والتعامل معه بجدية بدلا من عزله ورفع القلم عنه بشتى الوسائل الممكنة، ولكن أتت ساعة الحق وأمر الله بنزع ملكه فكان. صوت الشعب العربي، يعيش أبهى عصوره المعاصرة، ويكشف للعالم أنه لم يعد يقبل بديلا عن الحرية والعزة والكرامة والحكم الرشيد الذي يساهم في صناعة قراراته مثل سائر شعوب العالم الحر.

والمشهد الليبي هو آخر مشاهد الربيع العربي المبهر والرائع، وبات التهديد بالسيناريو الليبي كفزاعة سخيفة يلوح بها النظام «المتحشرج» في سوريا.. بات التهديد به مسألة سخيفة وغير واقعية أبدا. الحق بين جدا والباطل كذلك وإذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر لم يعد مجرد بيت شعر من الأثر أو شعار الثورة التونسية ولكن هذا القول تحول إلى خط سير للشعب العربي الذي انتفض راغبا في كرامة فقدها وحرية لم يعرف معنى لها وعزة يسمع عنها فقط. وثوار ليبيا الأبطال الأحرار يؤكدون ذلك مجددا ويخلصون العالم من مجرم مجنون اسمه معمر القذافي لتعود ليبيا دولة طبيعية!

[email protected]