ما الفرق بيني وبين (لنكولن ونابليون)؟!

TT

هل الثقة بالنفس تشترى؟! وإذا كان كذلك فمن أي سوق أشتريها؟!

لا أريد، بل من المستحيل أن أطرح نفسي كـ(سوبرمان) وأنا (مهزوز) في وجه هذا العالم، وتيقن لي فعلا أنني في حاجة لعلاج سريع جدا، وذلك بعد أن قرأت عن دراسة اختيارية أجريت على (275) رجلا وامرأة من المتعلمين، وظهر فيها أن أكثر من (90%) منهم يعانون شعورا بالنقص، ومن الأسباب التي وردت: عجز بالبدن، وقبح بالشكل، وفقدان الظرف، والخيبة في الحب، وضعف القوة العقلية، والإخفاق الأدبي، والجنوح للخطيئة. وأحسست أن أغلب هذه الأسباب تنطبق على شخصيتي تماما، وهذا هو ما أصابني بشيء من الإحباط المغلف باليأس، فأصبحت عجولا وخائفا وغضوبا، سرعان ما أفقد أعصابي وأنسى بعدها أين وضعت نظارتي أو حذائي.

إنني حقا أشعر الآن بالوهن وعدم التماسك وقلـة الحيلة.

وأخذت أسأل نفسي وأقرعها: لم أنت تستهزئين و(تضحكين) على من يمارسون نشاطاتهم الرياضية يوميا؟ هل لأنك كسولة عاجزة؟! لماذا تنقصين حق من يحتشمون ويتحلون بالأخلاق الحميدة وتكيلين لهم أتفه الاتهامات والإشاعات والأكاذيب؟ هل لأنك مستهترة وسادرة بالغي؟! لماذا (تتريقين) على أهل الذكاء والمواهب وتنعتينهم (بالمتنطعين والمتحذلقين)؟ هل لأنك لا تملكين من المواهب غير (طق الحنك)؟!

وبينما كنت في هذا الخضم المضطرب، عرفت أن الحال عندي قد وصل إلى درجة عدم السكوت عليه، ولكي أنقذ البقية الباقية من كياني المبعثر، ذهبت إلى طبيب نفسي توسمت فيه رجاحة العقل إلى جانب الاطلاع الغزير، والواقع أن الرجل رحب بي وأخذني على (قد عقلي)، وعندما شرحت له حالتي طمأنني إلى أنني قد أتيت في الوقت المناسب، ولو أنني تأخرت قليلا لكانت حالتي صعبة وشبه مستعصية. حمدت ربي على ذلك وأسلمت للرجل قيادي.

وأول حديثه معي سألني: هل تعرف (أبراهام لنكولن)؟! قلت له: نعم قرأت عنه ولكن ما دخله ؟! قال: أدرك ذلك، ولكن الاضطرابات النفسية لا تفرق بين (الأمير وسواق الحمير) فلنكولن مر بما يشبه التعاسة التي أنت عليها الآن، وقد جاء في إحدى رسائله: إنني الآن أتعس مخلوق على قيد الحياة، ولو أن ما أشعر به وزع بالعدل على الأسرة الإنسانية قاطبة لما كان هناك وجه واحد متهلل على ظهر الأرض.

غير أنه خرج في النهاية من هذه الدائرة اليائسة بالعزم والتصميم.

وأردف الطبيب قائلا: أنت تشكو من عدم اقتناعك بمظهرك، وعدم ثقتك بقوتك العقلية، فهل تعلم أن (نابليون) لم يكن يزيد طوله على (165 سنتيمترا)، فأيكما أطول أنت أم هو؟! قلت له متعجبا: طبعا أنا، فعاد يقول: هل تعلم أن (نابليون) كان ترتيبه في الصف بمدرسته الحربية الثالث والأربعين من خمسين طالبا، هل وصل ترتيبك في صفك في المدرسة إلى هذا المستوى المتدني؟! قلت له: طبعا لا، ولكن أرجوك اضرب لي أمثالا على قدي، فما لي أنا وما للرؤساء والأباطرة؟!

أخذ يتكلم غير آبه برجائي وسألني فجأة: هل لك أعداء؟! أجبته: أووووه، إنهم أكثر من الهم على القلب، قال: هل تريد أن تقضي عليهم؟! قفزت من مكاني قائلا: يا ليت، فرد علي: إذن اجعلهم أصدقاءك وستقضي عليهم الواحد تلو الآخر.

انتهت جلستنا إلى هذا الحد، وفي اليوم الثاني أردت أن أطبق مشورته، فذهبت إلى منزل أشرس أعدائي لكي أمد له يد الصداقة وأقضي عليه، ولكنه ما إن فتح الباب وشاهدني حتى قال: أعوذ بالله من هذا الوجه (العكر)، ثم رزع الباب بوجهي.

[email protected]