كيف تقول «لا» من دون إحراج؟!

TT

اتصلت قبل سنوات بالدكتور طارق السويدان لنلتقي بخصوص موضوع ما، وكان وقتها يزور الولايات المتحدة الأميركية. فنظر إلى جدوله المزدحم، ثم فهمت من تعابيره أن الموعد الذي حددته له لم يكن مناسبا، فقال: «ما رأيك أن نجتمع على الإفطار في الصباح الباكر؟»، استحسنت الفكرة فالتقينا في أحد المطاعم التي تبيع شطيرة البان كيك الشهيرة في واشنطن. أعجبتني ردة فعل د. السويدان لسبب بسيط، وهو أنه لم يرفض الموعد لكنه آثر بذكاء أن يضرب عصفورين بحجر واحد؛ ينجز الاجتماع ويتناول فطوره المعتاد معي.

هذا الموقف هو صورة من صور اللباقة في قول «لا» لموعد غير مناسب. وهناك طرق أخرى كثيرة، منها أن تقول للشخص الذي يصر على دعوتك لموعد مفاجئ: سأتصل بك إن انتهيت من موعدي الآخر في الوقت المتوقع. وإذا كان الموعد رسميا وكنت مسؤولا فترحب بالموعد وتطلب من السكرتارية تنسيق الموعد، على أن يمنح السكرتير للمتصل خيارات أخرى من دون أن تضطر أنت أن تقول لا لهذا الشخص المتصل. ومن الطرق الجيدة أن تطلب ممن يريد منك أمرا ما أن تفكر بالموضوع ثم ترد عليه، ويكون ذلك إما برسالة نصية هاتفية أو بريد إلكتروني لتعتذر عن الموعد بلباقة.

والحق أن بعض الناس لا يجدر بنا أن نمنحهم خيارات، لأنهم لا يثمنون مواعيدنا، فهم يريدوننا رهن إشارتهم متى ما شاءوا! وهذا الأمر يمكن أن يكون مقبولا إذا ما كان طلبا من أحد الوالدين مثلا، أو شخص في حاجة ماسة لمساعدتنا فنمشي في حاجته، كالمريض أو الصديق المحتاج أو القريب المنكوب بمصيبة ما.

أما في العمل فهناك طرق لبقة نقول فيها «لا» للمدير أو العميل، من دون الشعور بالإحراج. على سبيل المثال إذا طلب منك مسؤولك القيام بمشروع جديد وكنت منشغلا بآخر، فيمكن أن تقول له: «أنا حاضر لكن المشروع الذي طلبته مني سابقا يستغرق حاليا وقتي كله، فهل تريدني أن أؤجله لكي أنجز المهمة الجديدة؟»، هنا لم تقل لا بفظاظة لكنك منحت الخيار للسائل. والفكرة نفسها تنطبق على العميل الذي يصر على مقابلتنا في موعد غير مناسب، فنمنحه خيارات أخرى من المواعيد. أما أكثر الأخطاء التي يرتكبها البعض وتجعلهم يشعرون بالحرج من قول «لا» فهي كثيرة، منها على سبيل المثال تقديم مبررات للاعتذار عن الموعد. هذه الطريقة غير محبذة لأنها تدفع الشخص إلى مقارنة بين موعدنا وموعده، وبطبيعة الحال فإن الإنسان يرى مواعيده أهم، لأن أولوياته تختلف عن أولوياتنا. كما أن ذكر سبب رفضنا للموعد يدفع الآخر إلى منحنا خيارات نحاول نحن تجنبها. وإذا كنت ممن يتحرج من رفض المواعيد التي تعترضه، نذكرك بأن الأمر في البداية سيكون في غاية الصعوبة، وقد تسمع تعليقات استنكارية لاذعة، خصوصا من المقربين، لكن مع مرور الوقت سوف يعتاد الناس عليك، بل سيحترمون أوقاتك. وتذكر أن من حقك أن ترفض أي موعد لا يناسبك بطريقة لبقة من دون أن تبدي أسباب الرفض. وكلما رفضت مواعيد غير مناسبة أو ليس لها داع، فإنك ستمنح نفسك متسعا أكبر من الوقت في يومك لتؤدي أنشطتك وأهدافك الوظيفية والحياتية بحرية أكبر.

*كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]