حزب الله يدخل نفسه قفص الاتهام في مقتل الحريري

TT

يستعد حزب الله هذه الأيام لمواجهة أكبر تحد له في تاريخه، عندما تقوم المحكمة الدولية بنشر وقائع مقتل رفيق الحريري أثناء المحاكمة مباشرة على الهواء في جميع أنحاء العالم. عندئذ سوف تنهار الصورة التي قدمها الحزب لنفسه، باعتباره ممثلا للمقاومة التي تدافع عن لبنان ضد الاعتداء الإسرائيلي. وبدلا من الدفاع عن شعب لبنان ضد الآخرين، قد تبين أدلة التحقيق أن الحزب تعاون مع دول أجنبية لقتل خيرة رجال السياسة في لبنان، حتى يتمكن في النهاية من السيطرة على حكم البلاد.

فبعد مضي نحو عامين ونصف العام على بدء عملها، أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري لائحة الاتهام، التي بينت وجود رابط بين المتهمين الأربعة من أعضاء حزب الله، وبين الهجوم الذي أسفر عن مقتل الحريري. وقدم الاتهام أدلة ظرفية تم الحصول عليها عن طريق السجلات الهاتفية، أظهرت وجود خمس شبكات للهاتف الجوال المترابطة شاركت في عملية الاغتيال. وتبين أن المتهمين قاموا بمراقبة تحركات الحريري لنحو ثلاثة أشهر قبل تنفيذ العملية. كما قالت لائحة الاتهام إن المتهم الأول مصطفى - أمين بدر الدين - وهو عضو مهم في حزب الله وصهر عماد مغنية القائد العسكري الذي اغتالته إسرائيل في دمشق، هو الذي أشرف على عملية الاغتيال بنفسه، بينما تولى سليم سليم عياش مسؤولية تنسيق مجموعة الاغتيال المسؤولة عن التنفيذ. وبعد تنفيذ عملية القتل، قام حسن عنيسي وأسد حسن صبرا بمحاولة لتضليل جهات التحقيق، عن طريق الاتصال بوسائل الإعلام لإبلاغها بأن شخصا يدعى أحمد أبو عدس ينتمي إلى جماعة النصرة والجهاد، هو الذي قتل الحريري. ولما كان قاضي الإجراءات التمهيدية في محكمة الحريري قد رأى أن الأدلة التي قدمها المدعي العام – دانيال بلمار – كافية لإجراء المحاكمة، فقد قام في 17 أغسطس (آب) بنشر مضمون القرار الإتهامي في القضية، استعدادا لبدء المحاكمة بعد نحو أربعة أشهر.

وفي الوقت ذاته الذي أذاعت فيه المحكمة قرار الاتهام، نشرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية معلومات تفيد بأن المحكمة لديها معلومات تدل على مشاركة السلطات الإيرانية في الإعداد لجريمة قتل الحريري، حيث تلقى المتهمون الأربعة تدريبات خاصة على تنفيذ العملية، في معسكر الخميني بالقرب من مدينة قم الإيرانية، قبل عام من قتل الحريري. كما تحدثت المجلة عن هروب ثلاثة من المتهمين من لبنان، وهم يعيشون الآن في إيران.

كان في وسع حزب الله، ما دام يؤكد براءة المتهمين الأربعة، السماح لهم بالمثول أمام المحكمة للدفاع عن أنفسهم - سواء في لاهاي أو عن طريق شاشات التلفزيون من لبنان - لإثبات براءتهم من جريمة مقتل الحريري. لكن نصر الله أوقع نفسه في الفخ الذي كان يحاول الهرب منه. فبعد رفض الأمين العام لحزب الله مثول أعضاء حزبه للمحاكمة، قررت المحكمة نشر جزء من الاتهام الموجه لهم علانية، كما قررت استمرار محاكمتهم غيابيا. أي إن عدم حضور المتهمين لن يمنع ممثل الاتهام من تقديم الأدلة، حيث يتم نشر الغسيل القذر أمام أعين الجميع. وبدلا من توجيه الاتهام إلى أربعة أعضاء، تحولت القضية إلى محاكمة حزب الله نفسه، فهو الذي سوف يضطر إلى الدفاع عن نفسه عبر شاشات قناة «المنار». وبالفعل هذا هو ما حدث، ففي اليوم ذاته الذي نشرت فيه المحكمة قرار الاتهام ظهر حسن نصر الله ليفند لائحة الاتهام التي اعتبرها بمثابة استهداف له وهجوم من الولايات المتحدة على حزبه. كما وعد أمين عام حزب الله بقيام الزملاء في الحزب بدراسة الاتهامات وتفنيدها. وبهذا يكون نصر الله، رغم عدم توجيه المحكمة اتهاما مباشرا لحزبه، قد وضع حزب الله في قفص الاتهام بدلا من المطلوبين الأربعة.

وفي طهران حاولت السلطات الإيرانية الدفاع عن نفسها بذات الشعارات التي يستخدمها حزب الله دائما، عن طريق الادعاء بأن المحكمة مسيسة. فقد قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية إن المحكمة «تحركها أهداف سياسية لا قيمة لها». لكن هذا الادعاء لن تكون له قيمة عندما تنشر المحكمة الأدلة والوقائع التي تملكها، عندئذ تتحول المحاكمة من جنائية إلى سياسية، وإن لم يقم حزب الله وإيران بتفنيد الاتهامات الموجهة إلى المتهمين وإثبات عدم صحتها، فسوف يقتنع ملايين الناس بوقوفهم وراء هذه الجرائم.

ومحاولة منه لاستمالة الرأي العام اللبناني، تحدث نصر الله عن محاولة الوقيعة بين حزب الله، الذي ما زال يعتبره ممثلا للمقاومة، وباقي طوائف الشعب اللبناني. تحدث عن الانفجار الذي وقع مؤخرا في منطقة انطلياس المسيحية ببيروت، والذي أودى بحياة شابين – يعتقد أنهما من حزب الله - نتيجة لعبوة ناسفة كانا يحملانها. كيف يريد نصر الله أن يطمئن اللبنانيين، بينما هو يهددهم كل يوم ويعدهم بفظائع الأمور إن لم يخضعوا لرغبات ما يسميه هو وحده «المقاومة». كيف يصدق اللبنانيون نصر الله إذا تكشف لهم أنه كان يقابل الحريري مرحبا في مخبئه أسبوعيا لمدة ستة أشهر، بينما أربعة من رفاقه يتدربون على مقتله؟ كيف يصدق اللبنانيون نصر الله بعد أن أسقط حكومة سعد الحريري فقط لأنه رفض التخلي عن المحكمة الدولية، وأصر على معرفة قتلة والده؟ كيف يصدق شعب لبنان كلام نصر الله قبل أن يعرفوا من الذي قتل خيرة رجال السياسة في بلادهم، بينما يرفض نصر الله التحقيق والمحكمة وينعم القتلة بالأمان تحت ظل عدالة حزب الله؟

لقد استغل حزب الله شعار المقاومة وتمكن من بناء تنظيم حربي تمكن من فرض سيطرته على حكومة لبنان وشعبها. والآن إذا لم يستطع نصر الله الرد على أدلة الاتهامات التي تقدمها المحكمة الدولية، فسوف يسقط القناع وتنتهي الأسطورة في لبنان كما انتهت بالفعل في سوريا.