بين مغرب العرب ومشرقهم

TT

قد تكون مفارقة القرن الحادي والعشرين أن يبزغ فجر العالم العربي الواعد من مغربه قبل مشرقه موحيا بأن رسالة الديمقراطية العربية، كما عهدها، أمانة مغربية قبل أن تصبح مشرقية.

بعد أن قطفت تونس ومصر وليبيا زهور «ربيعها» وتخلصت من سجانيها ومحتكري قرارها وثرواتها، باتت مرشحة عن حق لأن تصبح دول المستقبل العربي الواعد، إن هي أحسنت التعامل مع حرياتها المكتسبة بأغلى التضحيات الممكنة.

ولكن المفارقة تبقى في أن مسيرة الفتح العربي الديمقراطي - خلافا لمسيرة الفتح العربي الإسلامي - انطلقت من المغرب هذه المرة، لا المشرق، موحية بانقلاب دور جناحي العالم العربي في سباق العصرنة. وهذه الظاهرة تبرر التساؤل: هل أصبح مغرب العرب «مشرقهم».. ومشرقهم «مغربهم» في مطلع القرن الحادي والعشرين؟

هذا لا يعني التقليل، بأي شكل من الأشكال، من التضحيات الجسام التي بذلتها - ولا تزال - شعوب المشرق العربي في نضالها للتخلص مما تبقى من «ديكتاتوريي العروبة والوطنية». ورسالة هذه التضحيات واضحة في تأكيدها لطلاب الديمقراطية في المغرب: أنتم السابقون ونحن اللاحقون.

مع ذلك، أن يكون المغرب العربي السباق في مسيرة التحرر من طاقم الديكتاتوريات الموروثة من القرن الماضي.. إنجاز يصعب التقليل من أهميته التاريخية. ولكنه، في الوقت نفسه وبحكم كونه السابقة العربية، مسؤولية كبرى غير مسموح التفريط بها.

من نافلة القول أن عيون العالم بأسره، وليس عيون العرب فحسب، تراقب عن كثب كيفية تصرف شعوب المغرب المحررة مع حرياتها المكتسبة للمرة الأولى منذ تخلصها من الاستعمار الغربي. وفي هذا السياق فد ينفع التذكير بأنه منذ عام 2001، وتحديدا منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على واشنطن ونيويورك، درج الإعلام الغربي على التركيز، في تقويمه لأوضاع العالمين الإسلامي والعربي، على ما يعتبره ظاهرتين ملازمتين للمجتمعات الإسلامية: الادعاء بأن الإسلام، بطبيعته، غير مؤهل للتعايش مع النظام الديمقراطي، والزعم بأن المسلمين يرفضون القوانين الوضعية لإيمانهم بأولوية الشريعة على ما عداها من دساتير زمنية.

وعلى صعيد أقل ارتباطا بالمنحى العقائدي، يأخذ المراقبون الغربيون على الدول العربية والإسلامية عجزها عن إزالة الخلل من المعادلة المفترض أن تقوم عليها علاقة مؤسستيها العسكرية والمدنية، وهو الخلل الذي فتح الباب لتدخل العسكريين في شؤون الحكم واستطرادا لقيام الأنظمة الديكتاتورية في عدد من الدول العربية.

ولكن إذا كان الكثير من المحللين والمراقبين الغربيين يستهويهم الادعاء بأن العالم الإسلامي ما زال يعيش حالة حنين مزمنة للخلافة، فهم يتجاهلون في اندفاعهم لتأكيد نظريتهم أن للإسلام المعاصر وجها سياسيا حضاريا تؤكده أنظمة عدة دول يصنفها الغرب نفسه بـ«الديمقراطية» وأبرزها تركيا وإندونيسيا وماليزيا.. ما يعني أن أكثر من نصف المسلمين يعيشون في دول أثبت إسلامها - باعتراف الغرب نفسه - أنه لا يشكل أي عائق كان في وجه التعددية السياسية، وأن الإسلام الأصولي الذي يتخوفون من انتشاره لا يزال «محاصرا» في جزيرته الوحيدة، إيران، منذ أكثر من ثلاثة عقود.

ويعلم المراقبون الغربيون - وأجهزة استخبارات دولهم - أن القوى الأساسية التي أطلقت «الربيع العربي» ليست قوى سلفية أو أصولية بل قوى ليبرالية تدعم بعضها قوى إسلامية معتدلة، تتطلع إلى طي صفحة الحكم الأوتوقراطي لا استنساخه بمسميات أخرى، كما يعلمون أيضا بأن «الحالة التركية» تحظى حاليا باهتمام الإسلاميين المعتدلين، لجهة كونها نموذجا ناجحا ليس فقط لقدرة حركة إسلامية معتدلة (حزب العدالة والتنمية) على التعايش مع الديمقراطية بل أيضا لقدرتها على تحقيق ازدهار اقتصادي غير مسبوق في بلدها.

باختصار.. آن الأوان لأن يعطي الغرب «ربيع العرب» فرصة التفتح في المغرب فيضمن ازدهاره في المشرق أيضا.