لا تجعلوا من كتاب الله عقابا

TT

لم يلقمني حجرا أكثر من شخص مضى مدة طويلة لم أشاهده، قابلته وسألته عن أخيه الذي أكن له احتراما كبيرا.

ففاجأني عندما قال: إنه مات.

ترحمت عليه وسألته: ما سبب موته؟! فأجاب بكلمة واحدة: (حياته)!!

***

في بعض البلاد الإسلامية يفرضون على المساجين لكي يخففوا من عقوبتهم ويقللوا من مدة مكوثهم في السجن أن يحفظوا القرآن عن ظهر غيب أو قلب.

ولا شك أن نية من سنوا ذلك الشرط حسنة، وحفظ القرآن بركة ما بعدها بركة، ولكن أن يظل ذلك الشرط نوعا من العقاب بشكل أو بآخر، فهذا هو الإشكال، فهناك من هم أذكياء وسريعو الحفظ، وهناك من هم أغبياء وبطيئو الحفظ (كحالاتي)، فالعدالة هنا تصبح غير واردة.

وأذكر أنني عندما كنت في الصفوف الأولى من دراستي كنت من أبطأ الطلاب في حفظ (النصوص)، وكثيرا ما ضرب أستاذ اللغة العربية (بالمسطرة) على ظهر يدي، رغم أنني أستمتع ببعض أبيات الشعر وليس كل ما نظم من الشعر، وأكبر دلالة أن بعض من زاملتهم في ذلك الوقت لو أنني سألتهم الآن عما حفظوه كالببغاوات فإنني على ثقة أنهم لا يذكرون منه إلا النزر اليسير، وكذلك هم بعض المساجين الذين يحفظون القرآن فقط لكي ينعتقوا من السجن، والدليل أن بعض من خرجوا منه عادوا إلى معاصيهم ولم يردعهم الحفظ، لماذا؟! لأنهم لم يتدبروا القرآن أصلا، ولكنهم حفظوه كالببغاوات، كزملائي تماما في الصفوف الأولى، فالله يرضى عليكم لا تجعلوا من كتاب الله عقابا.

ولا بأس أن أذكر لكم في هذه العاجلة قراءة من التاريخ فيقال:

إن أحمد بن المدبر - وهو أحد الوزراء في العصر العباسي - قد ضاق ذرعا بمن يقصده من الشعراء، فيمدحه بشعر لا جودة فيه، فابتكر للشعراء عقوبة طريفة، تلك هي أنه إذا مدحه شاعر فلم يحسن، أسلمه إلى أحد أعوانه، ليمضي به إلى المسجد، فلا يفارقه حتى يصلي مائة ركعة!

ولذلك تحاشاه الشعراء، وقال فيه أحدهم:

وقالوا يقبل المدحات لكن جوائزه إلى الناس الصلاة

فقلت لهم وما تعني صلاتي عيالي إنما الشأن الزكاة!

***

لا أظن أن هناك إنسانا رعونته أكثر من رعونتي غير (يوجين شنايدر) الأميركي الذي حكمت المحكمة أن يتقاسم مع مطلقته منزله الخشبي مما أغضبه ذلك الحكم جدا، فما كان منه في يوم مظلم إلا أن يستأجر أشخاصا ومعهم مناشيرهم الكهربائية الضخمة القوية، وما أن طلع الصباح حتى تحول المنزل بكاملة إلى نصفين، ولم تستطع المحكمة أن تدينه.

وبعد أن كان المنزل قيمته (180) ألف دولار، أصبح أرضا لا تساوي أكثر من (30) ألف دولار.

وكأنه أراد بفعلته الحمقاء تلك أن يطبق مقولة (شمشون): علي وعلى أعدائي يا رب.

[email protected]