حفظا لصحتك.. لا تحزن على ما أصابك ولا تأس على ما فاتك

TT

تواصل الشعور بمرارة الأسى bitterness، ودوامه، أحد الأمور التي قد تتسبب في مرض الإنسان، هذا ما أعلن الباحثون من جامعة كونكورديا في مونتريال بكندا توصلهم إليه في 11 أغسطس (آب) الحالي، عبر دراستهم العلاقة التي تربط بين مرارة الأسى وعجز الفشل failure، وصفات نوعية الحياة التي يعيشها المرء بعد الإصابة بهما.

وعلق البروفسور كارستن وارش، الباحث الرئيسي في الدراسة وبروفسور علم النفس بجامعة كونكورديا، بالقول: «إن دوام استمرارية الشعور بمرارة الأسى يؤدي إلى مشاعر عارمة من الغضب والعدوانية hostility. وحينما تكون بدرجة قوية فإن الحالة الصحية البدنية للإنسان تتأثر بشكل سلبي».

والبروفسور وارش أحد المهتمين بالاختلاف في لجوء بعض الناس إلى مقاومة الشعور بمرارة الأسى في مراحل مختلفة من حياتهم، في حين لا يحرص آخرون على القيام بالشيء نفسه، ومن ثم تأثيرات ذلك على حياتهم. وكان قد عرض نظريته المتعلقة بمرارة الأسى في فصل بعنوان «التنظيم الذاتي لمرارة الأسى طوال مراحل الحياة»، وذلك ضمن كتابه الذي نشره الربيع الماضي بعنوان «تغلغل مرارة الأسى: وجهات نظر إكلينيكية ونفسية واجتماعية».

وخلال الخمس عشرة سنة الماضية تخصص البروفسور وارش في البحث عن آليات تأثيرات المشاعر السلبية كالندم والحزن على حياة الناس. وفي السنوات القليلة الماضية ركز أبحاثه على تأثيرات مرارة الأسى بالذات. وأحد الأمور التي أشار إليها في نتائجه هو أن العجز والفشل هما السبب الأكثر انتشارا للإصابة بمرارة الأسى، ويصاحبه عادة كل من الغضب والاتهام الموجه خارجيا للغير، لتسببهم في ما أصابه من فشل وعجز. بخلاف الندم regret، الذي يتضمن توجيه الملامة داخليا إلى النفس، فإن معايشة مرارة الأسى لفترات زمنية طويلة، وما يصاحبها من توجيه الملامة نحو عوامل خارجية، ينذر بحصول اضطرابات واختلال في النظم البيولوجية الحيوية بالجسم، مما يؤثر على كل من العمليات الكيميائية الحيوية بالجسم، وقدرات عمل جهاز مناعة الجسم، وكفاءة أداء الأعضاء المختلفة بالجسم لوظائفها، وسهولة الإصابة بالأمراض العضوية في الجسم.

والقول إن مرارة الأسى تتسبب في المرض البدني هو شيء منفصل وليس بالضرورة يتبعه أن نقول علينا اعتبار مرارة الأسى أحد الاضطرابات النفسية. ولا يوجد حتى اليوم اتفاق في أوساط الطب النفسي على هذا الأمر. ومن الذين يعتبرون ضرورة اعتبار مرارة الأسى واحدة من الاضطرابات النفسية، البروفسور مايكل ليندن، رئيس قسم النفسية في جامعة فري ببرلين، الذي كان في عام 2003 قد طرح هذا الارتباط، واعتبر أن مرارة الأسى أحد الاضطرابات النفسية. وزاد في نظريته بضرورة وضع تصنيف لها ضمن الاضطرابات النفسية تحت عنوان «اضطراب ما بعد صدمة مرارة الأسى» post - traumatic embitterment disorder (PTED). ولاحظ من نتائج بحوثه أن نحو 2 في المائة من الناس يعانون منها، ويرى أن أهمية هذا الربط مبنية على أن بإعطاء هذه الحالة التصنيف العلمي الواضح فإنه يمكن توفير المعالجة التي تلزم للمعانين منها.

ويرى البروفسور وارش أن مرارة الأسى يمكن تفاديها إذا ما حاول الذين واجهوا عجز الفشل إيجاد طرق أخرى تلبي تحقيق أهدافهم. وإذا ما لم يتمكنوا من ذلك، فإن من الضروري عليهم فك الارتباط عن الاستمرار في القيام بجهود لا طائل من ورائها، مثل مواصلة السعي بلا جدوى في الحصول على الترقية الوظيفية أو الحفاظ على استمرار الزواج. وعليهم بعد فك الارتباط، أن يبدأوا في شيء جديد مساو في المعنى، أي البدء في وظيفة جديدة أو علاقة عاطفية جديدة تؤدي إلى تحقيق غايتهم المرجوة، ويسمي هذه الوسيلة بـ«العملية الذاتية لإعادة الترتيب»، أي فك الارتباط بالفرصة القديمة التي وصلت إلى طريق مسدود، والارتباط بالفرصة الجديدة التي فيها الأمل. ويضيف أن أي وسيلة علاجية لمرارة الأسى مبنية على جهد الشخص في إيجاد طرق لإعادة الترتيب تكون ذات مردود محتمل بنسبة ممكنة.

وتحدث عن نقطة أخرى مهمة تتعلق بصعوبة التغلب على مرارة الأسى في الحالات التي تنجم عن الأذى المباشر والصريح من قبل الغير للإنسان. وذكر أن زوال مشاعر المرارة في هذه الحالات يتطلب شيئا آخر وإضافيا كي يتغلب المرء على المشاعر السلبية هذه، وهذا الشيء هو مسامحة الغير ومغفرة إساءتهم، ولا تزال هذه الوسيلة محل عدم اتفاق حول إمكانية تحقيقها وبالتالي جدواها، إذ يرى بعض الباحثين النفسيين أنها في هذه الحالة ربما تكون غير ممكنة أو غير مجدية؛ نظرا لما يعتقد البعض أن العفو والمغفرة تكون عند المقدرة وليس العجز.

* استشاري باطنية وقلب

- مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]