لماذا؟

TT

رسالتان مؤسفتان في بريد «الشرق الأوسط»؛ الأولى من قارئ في العراق، يقول يا من رحبت بالاحتلال وامتدحته. والثانية من قارئة في فرنسا، باللهجة ذاتها تقريبا: أين كنت طوال الأربعين عاما الماضية عن الهراء الخواء، فلما سقط الأخ القائد تذكرت؟ هذه خفة، لا تهمة. فإذا استطاع القارئ الأول أن يعثر على زاوية أو سطر أو كلمة رحبت فيها بالاحتلال، أو إذا عثر على زاوية أو سطر أو كلمة، لم أستنكر فيها الاحتلال، فأرجو أن يرسلها إلي، لكي أنشرها مكان مقالتي، ممهدا لها باعتذار شديد.

وإذا ما عثرت القارئة في فرنسا، خلال أربعين عاما على كلمة امتدحت فيها ثورة الفاتح العظيم، أو الكالح من سبتمبر (أيلول)، فأرجو أن ترسلها إلى رئاسة التحرير، لكي ترى كيف يخلط كتابها مواقفهم المبدئية والأخلاقية، وكيف يغيرونها عاما بعد عام. يا سيدة، أنا كنت منذ اللحظة الأولى ضد صعود القذافي، وربما كنت أكثر صحافي عربي كتب في هذا الأمر. وإذا لم تكوني على معرفة أو اطلاع بذلك، فالافتراء خفة حسنة النية ثقيلة الوقع.

أنا بشري معرض للخطأ والخداع والسذاجة، لكنني لست معرضا لبيع الضمير ومساندة الظلم وتأييد الاحتلال. وإذا كنت ضد الاحتلال النازي لألمانيا، والاحتلال الأميركي لفيتنام وكمبوديا، منذ أربعين عاما، فكيف يمكن أن أؤيد الاحتلال الأميركي للعراق؟ وإذا كنت ضد العبودية في ليبيريا فكيف يمكن أن أكون معها في ليبيا؟

يفرحني البريد، الذي لم أكن أطلع عليه يوميا، بل متأخرا، قبل أن أتدرب على استخدام الإنترنت. وأصبحت مدمنا على قراءته. ولا أبحث فقط عن المدائح، بل عن التصويبات، وبعضها درس وعلم، وبعضها سوء فهم. وكلما قرأت مقالتي ووجدت فيها خطأ فاضحا، كما فعلت يوم قلت فاروق عبد العزيز بدل فاروق الفيشاوي، أضرب رأسي بالجدار، وأبدأ الشك في ذاكرتي وفي طاقتي. لكن لن يخامرني يوما شك في موقف أخلاقي ومشاعر إنسانية، سواء على خطأ أو على صواب. ولذا فليصحح القراء من الأخطاء ما يشاءون، ليس لأنه جل من لا يخطئ، بل لأنني أخطئ كثيرا. أما تصحيح المواقف واستسهال الرمي، فلا مجال له على الإطلاق، لا في تأييد احتلال العراق، لأن هذا سفه رخيص، ولا في أنني مستجد في نقد القذافي، لأن في هذا جهل عارم، على الأقل بما ورد في هذه الزاوية منذ حوالي العقدين. وأعتذر عن هذا التوضيح، لأنها ليست مسألة تصويب معلومات أو شد من أزر الذاكرة المتعبة، ولا هي نية سيئة حيال رجل حسن النوايا والطوية، إنها أفظع من ذلك بكثير: خفة لا داعي لها.