لماذا يرفض السوريون العنف؟

TT

ثمة إشارات متناقضة حول العنف واحتمالاته في سوريا. ففي وقت تؤكد فيه السلطات وجود عنف رسمي في مواجهة عنف خارج عن القانون معبر عنه في نشاط مسلح يقوم به أفراد وجماعات «إرهابية» و«سلفية»، فإن أوساطا، خارج النظام، تؤكد أن العنف القائم هو عنف رسمي هدفه إسكات الحراك الشعبي المعارض، وأن ما يظهر من عنف خارج ذلك الإطار يندرج في سياق عنف فردي، وأغلبه لا يتجاوز رد الفعل إزاء ما يحدث من تجاوزات في إطار العمليات الأمنية، وبين هاتين النظرتين في موضوع العنف القائم، ثمة تخوفات وهواجس تظهر في أوساط سورية وفي خارج سوريا من احتمالات انفجار العنف، وأخذ المجتمع السوري إلى صراعات داخلية واسعة، تضع البلاد ومستقبلها أمام تحديات حرب أهلية.

ووسط تلك الإشارات، فإن الوقائع السورية تؤكد أن أعمال العنف الرئيسية ذات طابع رسمي، تتشارك في القيام بها قوى أمنية وعسكرية، إلى جانب ميليشيات مسلحة مؤلفة من الشبيحة، وفقا للوصف السوري، وأن الثمار الرئيسية لأعمال العنف في 5 أشهر مضت قاربت 3 آلاف شهيد، ونحو 10 آلاف من الجرحى، وعشرات آلاف من المعتقلين والمطاردين، إضافة إلى خسائر مادية كبيرة، تسببت بها أعمال العنف الرسمية التي تمت، والتي كان هدفها الرئيسي وقف المظاهرات، وملاحقة القائمين بها والداعمين لها، إضافة إلى ضرب الحواضن الاجتماعية لحركة الاحتجاج الشعبي في المدن والقرى التي تشهد مظاهرات نشطة.

وبخلاف الطابع الرسمي للعنف القائم، فإن موقف جماعات المعارضة السياسية يبدو موحدا في رفض العنف، وهو ما تكرس موقفا رسميا للمعارضة في بيانات وتصريحات صدرت عن الجماعات السياسية والقادة والنشطاء على مدار الأشهر الماضية من حركة الاحتجاج والتظاهر، التي ما زال شعار «سلمية.. سلمية» بين أهم شعاراتها الأساسية في المظاهرات في سياق تأكيدها رفض العنف والإصرار على الطابع السلمي للحراك الشعبي.

غير أنه، خارج السياق السياسي والشعبي العام الرافض للعنف، فإن ثمة عمليات عنف في بعض أنحاء البلاد يقوم بها أفراد أو مجموعات محدودة من أفراد، تأثروا بما يتم القيام به من عمليات أمنية أو خلالها، لكن تلك الأعمال لا تصل إلى مستوى الظاهرة، وما هو معروف عنها أنها محدودة الانتشار والنتائج، وغالبها له طابع وقتي ومحصور بظروفه.

وسط هذا السياق العام من العنف الذي يمكن وصفه بـ«المحدود» وما يحيط به من حيثيات، وعلى الرغم من وجود جملة هواجس ومخاوف داخلية وخارجية، حول احتمالات توسع العنف، خاصة في ظل ظهور دعوات للرد على العنف بعنف مضاد، فإن الموقف السوري العام يؤكد رفضه توسيع العنف، ويطالب بوقف العنف القائم من خلال مطالبته المتزايدة بوقف الحل الأمني الذي تتابعه السلطات، وضرورة الذهاب إلى معالجات سياسية للأزمة السورية الراهنة، وينطلق الموقف السوري في رفض العنف من 3 نقاط أساسية.

أولى النقاط وأهمها: أن العنف لا يمكن أن يكون وسيلة لمعالجة أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية وثقافية، بل إنه يفاقمها، في حين أن المعالجة تتطلب خططا وتوافقات وتحشيدا للقدرات والطاقات وجهودا أوسع لإخراج البلاد من الأزمة، وحل مشاكل السوريين، لا سيما الشباب الذين شكلوا القوة الأساسية في الحراك الشعبي، وهم الذين يعانون مشاكل راهنة، يمكن أن تمتد للمستقبل، مما يعزز مخاوفهم إزاء مستقبلهم؛ لأن العنف لا يمكن أن يعالج المشاكل ولا أن يبدد المخاوف.

والنقطة الثانية: أن العنف بعيد عن روحية السوريين الميالين بطبيعتهم إلى التوافقات والاتفاقات في معالجة ما يواجههم من مشاكل وتحديات، إضافة إلى ما هو معروف عن السوريين من ميول سلمية في سلوكياتهم العامة.

والنقطة الثالثة: أن لدى السوريين تجربة مرة في العنف والعنف المضاد بين السلطة وجماعات «إسلامية» مسلحة، وهي التجربة التي عاشت سوريا في أتونها أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، وتركت آثارا شديدة الوطأة ما زال السوريون يعانون منها ومن تداعياتها، على الرغم من أكثر من 3 عقود مرت عليها.

بصورة عامة، فإن واقع الحال السوري يؤكد أن فكرة العنف ليست في وارد الأغلبية السورية، بمن فيها ضحاياها الحاليون، وهي ليست في برامج المعارضة ولا في اهتمامات الحراك الشعبي وهتافات المتظاهرين. وكل حضورها خارج العنف الرسمي وتداعياته لا يتعدى كونها في جملة هواجس ومخاوف راهنة ومستقبلية في داخل البلاد وخارجها. وأساس الداخلي فيها وجود طابور خامس هو الأقرب إلى سياسة النظام، ينشر الخوف والمخاوف من «إسلاميين» و«سلفيين» و«مسلحين» في الشارع، و«إسلاميين متطرفين» يمكن أن يكونوا على رأس السلطة البديلة للسلطة الحالية، وهذا في ادعاءات الطابور الخامس سيعرِّض وجود وأنماط عيش جماعات دينية وطائفية للخطر، والخارجي من التخوفات ناجم عن عدم معرفة دقيقة بواقع الحال السوري واحتمالات السلطة المقبلة، أو هو تخوف من التغيير الممكن وغير الممسوك، أو الاثنان معا.

*كاتب سوري معارض