ذلك هو «الحل النهائي»

TT

ربما لا ضير في الاعتراف بأنني لم أقرأ «الكتاب الأخضر» كاملا، إلا الآن. فما شعرت مرة من المرات بالرغبة أو بالقدرة على ذلك. واكتفيت بتقليب بعض صفحاته، أو بالقراءة عنه في «الدراسات العلمية»، أو بسماع أقوال مأثورة منه على الإذاعة الليبية، يوم كان مؤلفه ما زال «أمين القومية العربية» وقبل أن يصبح «ملك ملوك أفريقيا»، مقدمة لسائر القارات.

لا أدعي أنني قرأته الآن بإمعان، ولكن بما يكفي لأعرف أنه «يقدم الحل النهائي لمشكلة أداة الحكم» وأن «التمثيل تدجيل» ويعني بذلك البرلمانات، وهو «الطريق الذي ينبغي أن تسلكه الجماعات البشرية لتتخلص نهائيا من عصور الاستبداد والديكتاتورية». إن «الكتاب الأخضر يبشر الشعوب بالهداية إلى الديمقراطية المباشرة وفق نظام بديع وعملي (...) إذن انحلت مشكلة الديمقراطية نهائيا في العالم ولم يبق أمام الجماهير إلا الكفاح للقضاء على كافة أشكال الحكم الديكتاتورية السائدة في العالم الآن والتي تسمى زيفا بالديمقراطية».

ويقترح المؤلف شريعة جديدة للمجتمع، يرى فيها الدساتير نوعا من الهزل، وأن المجتمع ملك الأموات والأحياء معا، ويطالب بحق التعبير للجميع، معلنا أن «الشخص الطبيعي حر في التعبير عن نفسه حتى لو تصرف بجنون ليعبر عن أنه مجنون (هكذا في النص).. إذن، تعبير شخص طبيعي عن أنه مجنون مثلا لا يعني أن بقية أفراد المجتمع مجانين كذلك (أيضا في النص)». ويحظر المؤلف على الفرد امتلاك صحيفة أو وسيلة نشر أو إعلام «ولكن من حقه الطبيعي أن يعبر عن نفسه فقط بأية وسيلة حتى ولو كانت جنونية ليبرهن على جنونه». وتنظم النظرية العالمية الثالثة الصحافة بالنص على أنه إذا اجتمع عدد من الأطباء لإصدار مطبوعة فلا يجوز أن تتعاطى هذه إلا في شؤون الطب.

نبقى في النص ونصل مع صاحب النظرية العالمية الثالثة إلى ما يسميه هو المركوب، فيقول: «المركوب حاجة ضرورية أيضا، للفرد والأسرة، فلا يكون مركوبك ملكا لغيرك. فلا يحق في المجتمع الاشتراكي لإنسان، أو جهة أخرى، أن تمتلك وسائل ركوب شخصية بغرض تأجيرها لأن ذلك تحكم في حاجة الآخرين». وتمنع النظرية العالمية الثالثة تملك الأرض «لأنها ليست ملكا لأحد» ومن ثم ينتقل صاحبها، النظرية العالمية الثالثة، إلى إعطاء الأمثلة الحسابية بالتفصيل الدقيق: عامل ينتج 10 تفاحات ويأخذ واحدة، وعامل ينتج 10 ويأخذ 10 ورجل منهمك في إنقاذ العالم.. ومن أراد المزيد من هذا عليه بنسخة من الكتاب الأخضر. على مسؤوليتي.