نريد قرارا سياسيا

TT

لا أظن أن هناك أناسا في طول بلاد العالم وعرضها، يكدسون أموالهم في البنوك ولا يستفيدون منها، اللهم إلا في بلادنا الإسلامية - وأكثر تحديدا في البلاد الخليجية - ومن الصعب أن أعتبر هذا غباء، ولكنه في أفضل الحالات يعتبر شيئا من الغفلة.

والبنوك بطبيعة الحال تسعد بذلك جدا، ولولا الحياء لكتبت لوحة تعلقها في مداخلها تقول فيها: اللهم زد وبارك.

هناك مليارات تزيد على المئات إن لم تبلغ الألوف، هذه (المليارات) المكدسة تتناهشها البنوك التي توسم زورا وبهتانا بـ(الربوية)، وتدخل معها في تلك (المناهشة) البنوك التي تطلق على نفسها زورا وبهتانا أيضا (الإسلامية).

تلك المليارات يا ساداتي يضعها أو يودعها بعض (خراف) الأغنياء دون أن يأخذوا عليها أي فائدة خوفا من الشبهة أو الوقوع في (الربا) مثلما يطبل لذلك بعض (مشايخ الصحوة) لقاء رواتب مجزية تدفعها لهم تلك البنوك الإسلامية الجشعة التي لم نجد لها أي مساهمات إنسانية في مجتمعاتها.

ولكي أدلل على تلاعب تلك البنوك (الهمايونية) فإنني أتحدى أي إنسان يأخذ على سبيل المثال قرضا من أي مصرف إسلامي، أتحداه أن لا يأخذ عليه ذلك المصرف عمولة أو فائدة - سموها ما شئتم - سواء مرابحة أو مضاربة (ملتوية)، وهي في النهاية تكون مثل ما تتقاضاه البنوك العادية إن لم تزد عليها، وكما يقول المثل: (فين أذنك يا جحا)؟! حقا إن الأفكار تخترعها الذئاب وتستثمرها الأرانب.

ونحن لا نريد أن نكون ذئابا مخترعين، ولا أرانب مستثمرين، ولكن نريد أن نكون على الأقل أناسا لهم عقول في رؤوسهم تميز وتدرك.

ولكن ما دام أن هناك سذاجات وقناعات مضحكة لا تزال تعشعش في بعض الرؤوس، فالأمل كل الأمل أن تصدر قرارات (سياسية) من قمة أصحاب القرار، بأن تضع أياديها على كل (المليارات) الجامدة المعطلة التي تتراكم في صناديق البنوك التي تستثمرها وتأكلها (باردة مبردة).

نعم ما المانع الشرعي بأن تستثمر فوائد تلك الأموال الضخمة الطائلة، وتتحول الأموال إلى مشاريع صناعية أو تدريبية للشباب، ومن خلالها نفتح منافذ جديدة للقضاء على البطالة، أو حتى للاستفادة منها في الأعمال الخيرية الكثيرة، بدلا من أن يستفيد منها قلة قليلة من المساهمين وملاك البنوك؟!

إنني لست برجل اقتصاد لكي أتفلسف عليكم، ولكنه واقع مرير يشاهده حتى الأعمى، فلا ضير إذن من أن أدلي بدلوي في هذا المجال المفجع، واعذروني على كلمة (المفجع) هذه، فأنا أعلم أنها كبيرة، ولكنني لم أجد كلمة مقنعة تضع أصبعها على الجرح أكثر منها.

هناك قاعدة شرعية تسمح لولي الأمر من قمة الهرم إلى رب الأسرة العادي، وهي مبدأ (الحجر) على أصحاب الأموال المتروكة، وولي الأمر بذلك لا يصادر تلك الأموال ولا يتعدى عليها، ولكنه فقط يوجه عوائدها إلى ما فيه خير المجتمع، بدلا من أن (يرقص) على إيقاعاتها أصحاب البنوك.

وصدقوني، لو أنني كنت صاحب بنك إسلامي، لأطلقت الرصاص على يدي التي كتبت هذه الكلمات.. (فقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق).

[email protected]